سيكُندر كرماني- بي بي سي نيوز، كابل – 23 مايو 2022/
المعاطف البيضاء الطويلة التي يرتديها المفتشون التابعون لوزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التابعة لحركة طالبان تجعلهم يبدون وكأنهم مفتشو صحة وأغذية.
ولكن هؤلاء الرجال في طليعة مجهودات طالبان الرامية إلى تشكيل هوية جديدة أكثر “إسلامية” لأفغانستان تتماشى مع الأفكار المتشددة للحركة.
ويبدو الدور الذي يضطلعون به واسع النطاق. خلال زيارتهم الأخيرة لمركز تسوق متعدد الطوابق في كابل قبل بضعة شهور، تذكر أصحاب المحلات أن هؤلاء المفتشين كانوا يتأكدون من سلامة المنتجات وعدم تجاوزها تاريخ الصلاحية، ويأمرونهم بإزالة الملصقات التي تحمل صورا لأجساد النساء.
ولكن الكثير من تلك الصور كانت لا تزال معلقة عندما عاد المفتشون في وقت سابق من الأسبوع الحالي برفقة بي بي سي.
رغم كونه أصغرهم سنا، كان مولوي محمود فاتح، طالب المعهد الديني السابق البالغ من العمر 25 عاما والذي يرتدي نظارات طبية، يسير في مقدمة مجموعة المفتشين.
خاطب فاتح جمعا من أصحاب المحلات والمارة، حيث أعطاهم محاضرة عن أهمية الصلاة وإطلاق اللحية.
تحدث فاتح بأسلوب النصحية الأخوية قائلا: “إطلاق اللحية يعد اقتداء بالنبي محمد”، مضيفا بنبرة ضاحكة أن ثمة “فوائد” أخرى للحية كذلك.
وقال وهو يشير إلى زملائه المفتشين: “هؤلاء المشايخ لدى كل منهم زوجتان أو ثلاث”، مضيفا أن ذلك “مصدر قوة”.
كما عرض هو وزملاؤه الأربعة حل أي مصاعب يواجهها الأشخاص الذين احتشدوا للاستماع إليه.
عندما شكا أحد أصحاب المتاجر من أن رجلا يزعم أنه من حركة طالبان طلب منه هواتف محمولة مجانية، كتب مولوي فاتح رقم هاتف الرجل ووعد بالتحقيق في الأمر.
لكن قرارات الوزارة الجديدة بشأن ما ينبغي أن ترتديه النساء هي أكثر ما أثار الانتباه – والانتقادات.
كانت الوزارة قد أصدرت أمرا في وقت سابق من الشهر الحالي يقضي بأن على كافة النساء ارتداء غطاء للوجه في الأماكن العامة، وأن تكرار عدم امتثال أي سيدة لذلك الأمر قد يفضي إلى سجن ولي أمرها أو عرضه على المحكمة.
لكن مولوي فاتح لم يتطرق إلى هذه المسألة في خطبته بمركز التسوق. وعندما سُئل عن السبب، أجاب: “نحن نتحدث إلى الرجال عن قضايا تخص الرجال”.
وفيما يتعلق بقواعد الملبس الجديدة، أضاف : “لقد تحدثنا إلى صاحب المركز ونصحناه ووضعنا ملصقات إرشادية أيضا”.
ثمة ورقة مطبوعة ملصقة على عامود إلى جانب أدراج السلالم عليها صورتان توضحان قواعد زي النساء – إحدى الصورتين لبرقع أزرق يغطي كافة أجزاء الجسم، والثانية لرداء أسود مشابه.
وكُتب أسفل الصورتين: “على النساء المسلمات اتباع قواعد الحجاب الإسلامي، إنها أوامر الشريعة”.
المعروف أن أفغانستان دولة محافظة، والكثير من النساء يرتدين بالفعل البرقع وغيره من أشكال أغطية الوجه. ولكن في مدن مثل كابل، تكتفي أخريات بتغطية الشعر، ومؤخرا، بدأ بعضهن يرتدي إلى جانب غطاء الرأس كمامة تشبه كمامات الوقاية من فيروس كورونا.
وقد أعربت ناشطات حقوق المرأة في داخل أفغانستان وخارجها عن انزعاجهن من القرار الجديد، الذي يأتي في وقت لم يتم السماح فيه بعد لغالبية الفتيات المراهقات بالعودة إلى مدارسهن، كما أُمرت العديد من الموظفات بعدم العودة إلى مكاتبهن.
سنوات من التقدم الضئيل في مجال حقوق المرأة تبدو وكأنها تذهب ادراج الرياح.
ولكن حتى الآن، يبدو أن ثمة تساهلا نسبيا في فرض قواعد “الحجاب” الجديدة.
لكنّ كثيرين يخشون من أن طالبان سوف تصبح أكثر صرامة في القريب – فقد أُمرت مذيعات التلفزيون بتغطية وجوههن.
وفي مختلف أنحاء المدينة، لايزال من المألوف رؤية نساء مكشوفات الوجه. كان هناك سيدات غير مرتديات لأغطية الوجه في مركز التسوق خلال زيارة مفتشي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد بدا كثير منهن غير منزعجات لوجود هؤلاء المفتشين، في حين ارتسمت علامات القلق على البعض الآخر.
يقول مولوي فاتح لبي بي س: “نستطيع أن نميز بين المرأة التي ترتدي الحجاب، وتلك التي لا ترتديه. إذا حاولت أي امرأة تجاوز الحدود تماما، وكانت غير محتشمة أو غير محجبة، سوف نحاول أن نجد وليها”.
ولكن ذلك لم يحدث حتى الآن، على حد قوله، رغم أنه من الصعب تحديد ما الذي يعنيه بالضبط تعريفه لـ”تجاوز الحدود”، أو تصور ما الذي يمكن أن يعنيه.
عندما سألناه بأي حق تملي الوزارة على النساء الأفغانيات الطريقة التي يرتدين بها ملابسهن، أو تفسر المبادئ الإسلامية، أجاب مولوي فاتح: “إنها ليست أوامر الوزارة، إنها أوامر الله..”
“السبب الحقيقي للفساد الأخلاقي هو الوجه – إذا لم يكن الوجه مغطى، فما فائدة الحجاب إذن؟”
بيد أن غالبية المسلمين عبر أنحاء العالم لا يعتقدون أن المرأة ينبغي أن تغطي وجهها.
يغادر المفتشون على ظهر شاحنة صغيرة باتجاه موقف للحافلات.
يستوقفون السائقين لكي يفحصوا الوضع داخل الحافلات، ويتأكدون من أن الركاب الرجال ليسوا قريبين من النساء أكثر مما ينبغي، أو ما إذا كانت الراكبات قد اضطررن إلى الوقوف لأنه لم يتم إعطاؤهن أولوية الجلوس.
جدير بالذكر أن الوزارة اكتسبت سمعة سيئة تعود إلى دورها في الحقبة الأولى من حكم طالبان خلال التسعينيات، حيث كانت تقوم بضرب “المذنبين” بصفة دورية.
ولكن مولوي فاتح يخبرنا بأن العقاب الوحيد المسموح لهم بتطبيقه هو أن سائق الحافلة الذي يخالف أوامرهم باستمرار “يتم أخذه إلى مكتبنا حيث يقضي يوما وليلة هناك..ونسدي إليه النصح، ونخبره بأن هذه هي أوامر الله ورسوله. ثم نأخذ عليه تعهدا في صباح اليوم التالي، ونتركه يمضي”.
في حضورنا، كان المفتشون يتصرفون بأدب ولين مع العامة. كما أن السكان الذين تحدثوا معنا لاحقا، بعيدا عن أعين طالبان، أخبرونا بأنهم ليس لديهم أي شكاوى من هذا الفريق.
ولكن من الواضح أن قمع طالبان أخذ ينمو بشكل متزايد.
كانت ناشطة حقوق المرأة ليلى باسيم على متن حافلة استوقفها مسؤولو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعيد صدور قرار الحجاب.
طرق أحد المسؤولين مؤخرة الحافلة بعصا، ثم صعد على متنها.
تقول باسيم لبي بي سي إنه كانت هناك “سيدتان ترتديان البرقع، في حين كانت ترتدي أخريات، وأنا من بينهم، عباءات سوداء وأقنعة طبية. قلت له إنه لا توجد نساء بدون حجاب”.
تقول باسيم إن “وجهه احمر من شدة الغضب” عندما سمع ذلك.
“لم ينظر إلى، ولكن قال “أنت امرأة لا تستحي. إنها لم تعد جمهورية أفغانستان، إنها إمارة إسلامية الآن. من الآن فصاعدا، ليس باستطاعتك أن تفعلي ما يحلو لك”.
تقول باسيم، التي تزعمت مظاهرات صغيرة احتجاجا على إغلاق طالبان لمدارس الفتيات الثانوية، إن المفتش اتهمها بأنها كانت تعمل مع “الأمريكيين”، وبأنها ترغب الآن في أن تعيش على الطريقة الأمريكية، قبل أن يتوسل إليها السائق أن تكف عن الجدال مع المفتش.
وأخبر بعض السائقين بي بي سي بأنه تم تحذيرهم من السماح بصعود سيدات يرتدين سراويل ضيقة على متن حافلاتهم ، ولكنهم أضافوا أنه حتى الآن لم يقم مسؤولو الوزارة بمنع السيدات من ركوب الحافلات لمجرد أن وجوههن مكشوفة.
عندما استولت طالبان على السلطة في أغسطس/آب الماضي، كان يبدو أنهم يتبنون موقفا أكثر مرونة مما كان يخشاه كثيرون، إذ لم يصدروا قوانين جديدة تحكم الطريقة التي يجب أن يسير عليها المجتمع.
غير أنه في الأشهر الأخيرة، صار موقفهم أكثر تشددا بشكل واضح.
على الرغم من الأزمة الاقتصادية الحالية، يبدو أن أولوية طالبان هي تشديد القيود الاجتماعية.
من القواعد الأخرى التي أصدرتها وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تخصيص أيام منفصلة للرجال والنساء لزيارة المتنزهات، وحظر سفر النساء لمسافات طويلة بدون محرم.
هذا المسار أثار قلق الكثير من الأفغان بشأن ما قد يحدث لاحقا.
يقول رجل أعمال أفغاني لبي بي سي، بينما يتأمل فيما إذا كان هناك مستقبل له ولبناته في البلاد: “إنهم يبدأون باللين، ولكنني متأكد من أنهم سوف يعودون تماما إلى ما كانوا عليه في التسعينيات”.
أما الناشطة الحقوقية باسيم فهي أكثر تشاؤما: “أنا على يقين من أنه إذا ما تقبلت النساء غطاء الوجه، سوف تأتي طالبان بقانون جديد وتأمرهن بالمكوث في البيت”.