بقلم/عمران سلمان – قناة الحرة – 20 مايو 2022/
يقترب الغزو الروسي لأوكرانيا من إكمال 3 أشهر، فيما حصيلة الكرملين من هذه الحرب تبدو هزيلة جدا، وهي لا تكاد تساوي الخسائر التي سببتها للروس وللأوكرانيين على حد سواء. وعلاوة على ذلك فقد أخافت الأوروبيين ودفعتهم إلى إعادة النظر في عقائدهم العسكرية، بما في ذلك طلب كل من السويد وفنلندا الانضمام إلى حلف الناتو، وكذلك مسارعة ألمانيا إلى مضاعفة ميزانيتها العسكرية على نحو لم يحدث من قبل.
علينا أن نتذكر أن الأهداف الأولى للحرب كانت الإطاحة بالحكومة الأوكرانية وتجريد البلاد من السلاح واعتقال المناوئين للهيمنة الروسية وضمان بقاء أوكرانيا خارج النفوذ الغربي. ولتحقيق ذلك حاولت القوات الروسية في البداية السيطرة على المدن الرئيسية في البلاد بما في ذلك العاصمة كييف وخاركيف وغيرها.
لكن كما شهد العالم كله، فإن كل هدف من تلك الأهداف قد فشل بصورة مروعة. وقد تكبدت القوات الروسية خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد وواجهت إذلالا على يد الجيش الأوكراني لم تكن تتخيل يوما أنه يمكن أن يحدث لها.
إزاء ذلك اضطر الرئيس الروسي بوتين أن يبتلع أهدافه تلك ويقنع بهدف متواضع وأقل طموحا تمثل في السيطرة على شرق أوكرانيا وتحديدا إقليم الدونباس وبعض المدن في الجنوب. وهكذا قام بتحريك قواته وجنوده إلى هناك.
لكن حتى هذا الهدف يبدو اليوم بعيد المنال، أو بالأحرى لن يتحقق بسهولة، ولن يقبل الأوكرانيون، كما يؤكدون، بسلخ هذه المناطق عن بلادهم وإلحاقها بروسيا. وفي الواقع فإن معظم المدن التي تسيطر عليها قوات موسكو في الإقليم كانت تحت سيطرتها قبل بدء الحرب، وبالتالي فإنه لا توجد إنجازات حقيقية هنا أيضا.
وبحسب بعض المحللين الأمنيين والعسكريين فإن معنويات الجنود الروس فيما يبدو لا تزال منخفضة وأن الخسائر البشرية سيئة للغاية.
وحسب تقديرات بريطانية رسمية فإن روسيا خسرت قرابة ثلث عدد قواتها التي أرسلتها إلى أوكرانيا، وأن الهجوم الروسي في دونباس قد فقد زخمه وبات خارج نطاق الجدول الزمني الذي وضعته موسكو نفسها.
وبحسب العديد من الخبراء فإن الجيش الروسي لم يحقق بعد الأهداف المعلنة التي وضعها بوتين في تأمين جميع الأراضي في منطقتي دونيتسك ولوغانسك، ومن غير المرجح أن يفعل ذلك.
بل أكثر من هذا فإن الطيران الروسي اختفى تقريبا من سماء أوكرانيا ولم تعد تشاهد هناك إلا المقاتلات والمروحيات الأوكرانية. ويعتبر فشل روسيا في السيطرة على المجال الجوي الأوكراني من أسباب تعثر حملتها العسكرية.
ويشاطر مسؤولو الاستخبارات الأميركيين الرأي بأنه من غير المرجح على نحو متزايد أن تتمكن روسيا من تحقيق أهدافها في السيطرة على المزيد من الأراضي الأوكرانية خلال الأسابيع المقبلة.
لكن الإخفاق العسكري هو فقط أحد وجوه هذه الحرب التي خاضتها روسيا تحت ذرائع واهية، بينما الوجوه الأخرى تبقى شاخصة أيضا.
فموسكو تواجه وضعا اقتصاديا عصيبا جراء العقوبات الغربية. ومع الوقت سوف يلمس الروس آثار وتداعيات هذه العقوبات. وتسعى الولايات المتحدة وأوروبا إلى انتهاز كل فرصة لعزل وإبعاد روسيا عن الاقتصاد العالمي. وخلال المحادثات التجارية والتكنولوجية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التي عقدت في باريس (16 مايو 2022) كان هناك تأكيد واضح على استهداف التجارة والتكنولوجيا الروسية.
ومن الإجراءات الجديدة فرض قيود على الشركات التي تبيع منتجات لروسيا، وخاصة ذات الاستخدام المزدوج. كما تهدف إلى تقييد حصول روسيا على التكنولوجيا المتقدمة التي تدخل في صناعة الطائرات المسيرة وبرامج التشفير وأشباه الموصلات وغيرها من مجالات تصنيع الإلكترونيات.
أما على المستوى الأمني فيعتبر انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو ضربة موجعة لروسيا. وتتجلى هنا المفارقة الغريبة. فالذين دافعوا عن الغزو الروسي نسبوه إلى مخاوف الكرملين من امتداد الناتو إلى الشرق عبر انضمام أوكرانيا لعضويته، لكن ما عساهم يقولون اليوم وقد توسع الناتو بالفعل شمالا وبصورة ربما أكبر وأخطر من ذلك؟
هل يجرؤ بوتين على مهاجمة البلدين مثلا؟ بالطبع هو لن يفعل. وهذا يوضح أن تلك الذريعة لم تكن هي الأساس في غزو أوكرانيا، وإنما الرغبة في الاستيلاء على المزيد من الأراضي الأوكرانية وخاصة القريبة من الحدود الروسية وتلك الواقعة على البحر الأسود.
يبقى القول بأن المغامرة الروسية في أوكرانيا حتى الآن كانت وبالا على موسكو، أما فيما يتعلق بالمستنقع الأوكراني نفسه فإن الكثير سوف يتوقف على الإجابة على السؤال التالي: هل تواصل الولايات المتحدة والدول الأوروبية مساعدتها للأوكرانيين من أجل استرداد أراضيهم التي تحتلها روسيا حاليا أم تقبل بالوضع الجديد في مقابل وضع حد للحرب؟
حتى الآن فإن التصريحات والتأكيدات من العواصم الغربية تشير إلى عدم التنازل وأنه لا ينبغي مكافأة الرئيس الروسي بوتين على عدوانه، بل يجب الاستمرار حتى طرد جميع الجنود الروس من أوكرانيا وتقديم المسؤولين منهم عن جرائم الحرب إلى المحاكم الدولية.