قلوبهم مع بوتين

بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 13 مايو 2022/

لم يكن مستغربا وقوف العديد من الحكومات العربية، صراحة أو ضمنا، إلى جانب روسيا في الحرب التي تشنها ضد أوكرانيا، بل سيكون غريبا لو أنها فعلت العكس.

في الواقع أن ما يجمع هذه الحكومات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر بكثير مما يفرقها. فهي تشاطره نفس القيم تقريبا. فهو يقيم نظاما استبداديا، وفق صيغة “بلد واحد.. رئيس واحد”، وهي كذلك، وهو يجري انتخابات دورية، ولكن من دون ديمقراطية وبما يكفل له الإبقاء على الوضع السائد أطول فترة ممكنة، وهي تفعل الشيء نفسه. وهو يناصب العداء للقيم الغربية من ديمقراطية وحقوق إنسان وحريات عامة والاعتراف بالمثليين، وهي أيضا تناصب هذه القيم العداء. وهو يستخدم الدين والكنيسة لحشد الروس من خلفه، والحكومات العربية تفعل ذلك أيضا مع الإسلام وتوظف رجال الدين المسلمين من أجل السيطرة على شعوبها.. والقائمة تطول.

بعبارة أخرى فإنه من الطبيعي أن تقف معظم الحكومات العربية إلى جانب روسيا وليس إلى جانب أوكرانيا أو الغرب في هذه الحرب.

يقول ضاحي خلفان نائب رئيس شرطة دبي في سلسلة تغريدات “من يريد أن يهمش روسيا على الساحة الدولية مخطئ لأن الأمة الروسية أمة عظيمة… يا من لا يقرأ التاريخ”، ويضيف “هناك تعامل حاد ضد روسيا بسبب العملية العسكرية الخاصة التي تنفذها في أوكرانيا، بينما لم يكن هناك ذات الحدة في التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية خلال حرب العراق”.

وما يقوله خلفان تردده معظم الحكومات العربية، ولكن بعيدا عن وسائل الإعلام. فهي الأخرى يزعجها إضعاف نظام بوتين، لأن ذلك يضعف نموذجها ويصيبها بالانكشاف. 

ورغم استمرار التحالف القديم بين واشنطن وبعض العواصم العربية ولا سيما في الخليج، إلا أنه لم يتمكن مع ذلك من إخفاء حجم المرارة من السياسات الأميركية الأخيرة. وتنظر هذه العواصم إلى إدارة بايدن بالكثير من التوجس والشكوك، ليس فقط لإصرارها على التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، وهو الأمر الذي تعارضه هذه العواصم بشدة، ولكن لأن هذه الإدارة أيضا ذهبت شوطا أبعد في التعامل الجاف مع شؤون المنطقة. فهي لم تكتف فقط بتفعيل ما تعتبره قيما أميركية في الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإن كان على حساب سياسات بعض هذه الدول، ولكنها كذلك، وهذا باعتقادي الأهم، أظهرت حماسا فاترا للتدخل والانخراط في النزاعات الإقليمية، وكان الموقف من الحرب في اليمن أحد أكثر الأمثلة الصارخة على ذلك. 

فإدارة بايدن رفعت الحوثيين من قائمة الإرهاب وضغطت لإنهاء الحرب من دون أخذ آراء السعوديين وهواجسهم بالاعتبار، وتركت الرياض تواجه لوحدها صواريخ الحوثيين ومسيراتهم، مكتفية بالتأكيد على الالتزام الأميركي بحماية المملكة من الاعتداء الخارجي، وهو ما لا ينطبق على النزاع مع الجماعة الحوثية. 

ورغم أن بعض المحللين السعوديين والخليجيين يعتقدون بأن المشكلة تكمن في الإدارات الديمقراطية، ولكن الحقيقة هي أن أي إدارة أميركية كانت لتتصرف على نحو مشابه. وبعيدا عن صخب التصريحات، فإن الواقع على الأرض يظهر أن الاستثمار السياسي والعسكري الأميركي في المنطقة هو اليوم في حده الأدنى. ويوضح الرفض السعودي العلني للمطلب الأميركي بزيادة إنتاج النفط للتخفيف من أثر غياب النفط الروسي جراء العقوبات، المدى الذي وصل إليه الخلاف بين البلدين. وهو خلاف يضرب في جذر العلاقة الممتدة لعشرات السنين والتي كانت السياسة النفطية للسعودية حجر الأساس فيها.

وهذا التطور رغم أنه يبدو ناتجا عن الملابسات والظروف الأخيرة، إلا أنه في جوهره يعكس التغير الذي طرأ على السياسة الأميركية في المنطقة، والتي لم تعد ترى في حماية منابع النفط وخطوط إمداده ركيزة لها كما كان الحال قبل عقود، إضافة إلى حماية أمن إسرائيل. 

لكن هذا الشقاق السعودي الأميركي النفطي من شأنه أن يقنع المزيد من الأميركيين بخفض الاستثمار السياسي والعسكري أكثر في شؤون المنطقة، ويزيد من تماهي حكومات هذه الدول مع النموذج الروسي، وهو تماه سوف يباعد أكثر بينها وبين واشنطن.  

هذه الديناميكيات الجديدة بالطبع لا تخدم مصالح الطرفين، لكنها تعطينا لمحة عن سيناريوهات المستقبل، وهي تذكرنا أيضا بأن التباين في القيم والمبادئ لا بد أن ينعكس بصورة أو بأخرى سلبا على العلاقات بين الدول.

صحيح أن هذه العلاقات تقوم بالأساس على المصالح، ولكن من الصحيح كذلك أن القيم هي جزء لا يتجزأ من المصالح في تعريفها الأوسع.   

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *