بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 6 مايو 2022/
بروز أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا ليس خبرا جديدا بطبيعة الحال، لكن اكتساب خطاب اليمين زخما شعبيا متزايدا في كل مرة تحدث فيها انتخابات رئاسية أو تشريعية في هذا البلد الأوروبي أو ذاك هو أمر يجب أن يثير التساؤل وربما القلق من أن عددا متزايدا من البلدان الأوروبية يتجه في الواقع نحو اليمين، إن بفعل المزاج العام أو نتيجة التدافع والمزايدات بين الأحزاب السياسية.
ولعل آخر دليل على ذلك النتائج التي أفرزتها الانتخابات الرئاسية الأخيرة في فرنسا، وتحديدا حصول زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان على حوالي 42 في المئة من الأصوات، صعودا من 37 في المئة عام 2017 و18 في المئة عام 2012.
والكثيرون يتساءلون عن السبب في ذلك، هل هو بسبب الجاذبية التي يكتسبها خطاب هذه الأحزاب لدى الناخبين، أم لقدرتها على استغلال الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها بعض هذه البلدان، أم يعود إلى فشل السياسات الحكومية وعدم قدرة الأحزاب التقليدية على تقديم بدائل مقنعة في عالم يتميز بالسرعة والتقلبات؟
وفي حين يصعب التعميم، حيث أن لكل بلد أوروبي ظروفه وتفاصيله المختلفة، فإن القضايا التي توحد أحزاب اليمين المتطرف تظل هي نفسها تقريبا. وإذا استبعدنا القضايا المتصلة بالاقتصاد والوحدة الأوروبية، فإن الخطاب الشعبوي وملف اللاجئين والموقف من الإسلام والمسلمين عموما يشكل القاسم المشترك في هذا الخطاب.
لذلك هناك من يحمّل الإسلام السياسي وجماعاته والتشدد الإسلامي عموما جانبا من المسؤولية عن صعود اليمين المتطرف. وبالنسبة لهؤلاء فقد اجتمعت عدة ظروف كانت بمثابة وقود لا ينقطع لخطب وبرامج زعماء هذا اليمين.
فمن جهة هناك سجل حافل من العمليات الإرهابية وترويع السكان في أوروبا منذ قرابة العقدين من الزمان وهي مستمرة، وهناك حروب أهلية ودول فاشلة في الشرق الأوسط تقذف بالمزيد من اللاجئين إلى بعض الدول الأوروبية وبأعداد تفوق أحيانا طاقة هذه الدول على استيعابها، وثالثا هناك خطاب إسلامي ينشر الكراهية ويحرض على العنف ويشجع المهاجرين المسلمين على مقاومة الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة، الأمر الذي يخلق مشكلات حقيقية لهم ولتلك المجتمعات.
وهذه العوامل مجتمعة كفيلة بأن تشكل خطابا يمكن تسويقه لقطاعات متزايدة من الأوروبيين، كما شهدنا في السنوات الأخيرة.
صحيح أن الساسة في كل مكان يستغلون مشاعر الخوف والقلق لدى الناخبين ويضخمون الأخطار ويجيرونها في كثير من الأحيان لمصلحتهم الشخصية. وفرنسا أو أوروبا ليست استثناء في ذلك.
وصحيح أيضا أن معظم المسلمين في أوروبا لا يشاطرون بالضرورة الإسلاميين آراءهم وأفكارهم وتشددهم. وهؤلاء يعتبرون أقلية في هذه المجتمعات، بينما غالبية المسلمين هم مجرد مواطنين عاديين لهم نفس الاهتمامات والمطالب والحاجات التي لغيرهم في هذه البلدان. وبالتالي فإن إشاعة مشاعر الخوف غير المبرر من جميع المسلمين تبدو كما لو أنها مجرد استغلال سياسي فج.
مع ذلك يبقى من الصحيح القول إن مشاعر الخوف والقلق لدى الكثير من الأوروبيين لم تأت من فراغ. وأن هناك بالفعل مخاطر حقيقية يشكلها الخطاب الإسلامي في شقه المتطرف على الأقل، سواء كانت مخاطر أمنية أو سياسية أو اجتماعية.
وكون أن أحزاب اليمين المتطرف تستغل ذلك لا يعني أنها قد خلقته من العدم. لهذا من الصعب أن يغفل الإنسان السياق الذي تجري فيه الأحداث وخاصة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 وحتى اليوم.
بيد أن الأمر الأكثر إثارة للقلق برأيي هو أن نجاح أحزاب اليمين المتطرف في جذب قاعدة شعبية أكبر، إنما يهدد بجر الأحزاب الأخرى إلى نفس الحلبة عبر المزايدة في السياسات والمواقف المتشددة أملا في تقاسم تلك القاعدة الشعبية أو حرمان اليمين المتطرف منها.
وبحيث قد لا يمضي وقت طويل قبل أن يكون فيه من الصعب التمييز بين الخطاب اليميني والخطاب اليميني المتطرف وهو أمر نشهد بوادره في عدد من الدول الأوروبية. وهذا سوف يترجم في سياسات وإجراءات وقوانين أكثر تشددا خاصة فيما يتعلق بقضايا اللجوء والهجرة وعلاقة الدين بالدولة.
خلاصة القول إذن هي أن ظاهرة صعود اليمين المتطرف في أوروبا إذ تعكس من جهة تطورا سياسيا مقلقا، فإنها تعكس من الجهة الأخرى نجاحا للإسلام السياسي في محاولته جر بعض البلدان الأوروبية إلى حلبته، أي جعلها أقل تحضرا وأكثر ميلا للعنف والتشدد والشعبوية.