بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 14 أبريل 2022/
على الرغم من أن معظم الدول العربية اليوم تعتمد في نظامها القضائي على القوانين والتشريعات المدنية في الغالب، فإن المرجعية الدينية تظل هي المسيطرة على التفسيرات وطبيعة الأحكام النهائية.
وتعتبر الشريعة الإسلامية إما مصدرا رئيسيا للتشريع أو المصدر الرئيسي للتشريع في غالبية الدساتير العربية، وهذا يعني أن أي قانون أو تشريع لا يمكن أن يأتي مخالفا أو متعارضا مع الشريعة.
والذي يقرر إن كان حكم ما متوافقا مع الشريعة الإسلامية أم لا هم رجال الدين الذين يستندون بدورهم إلى التراث الديني، وهذا يشمل من ضمن ما يشمل بالإضافة إلى ما ورد في القرآن، الأحاديث النبوية وما قرره القدماء وتوافقوا حوله من أحكام.
لكن المؤسف أن هذا التراث بشكله الحالي، حافل بالأحاديث والأحكام التي تتعارض مع قيم العصر ومع مواثيق حقوق الإنسان بما فيها تلك الداعية للمساواة بين البشر بغض النظر عن العرق والجنس والدين وما شابه، واحترام الكرامة الإنسانية وضمان الحرية الدينية وغيرها الكثير مما نصت عليه تلك المواثيق.
هذا لا يعني أنه يتم العمل بجميع ما جاء في تلك الأحاديث، بالطبع كلا لاستحالة ذلك من الناحية العملية والواقعية، ولكنه يعني أن الإبقاء عليها أو الاعتراف بأنها صحيحة وذات قدسية يمكن أن يدفع البعض إلى تطبيقها بصورة حرفية وهو معتقد بأنه إنما يطبق ما هو معلوم من الدين بالضرورة!
بل الأدهى من ذلك أنه تتم إشاعة وتجذير ثقافة عدائية في التعامل مع غير المسلم سواء كان من أتباع الأديان الأخرى أو ممن لا دين له.
ويعطينا ما جرى في مصر الأسبوع الماضي حين قام رجل ستيني بقتل الكاهن القبطي أرسانيوس وديد في الإسكندرية طعنا، فكرة عما يحدث هنا، وهو حادث ليس الأول من نوعه وللأسف لن يكون الأخير، حيث لا يزال الغموض يلف مصير الجاني، بين من يريد إعطاء الانطباع بأنه مختل عقليا، وبين من يقول إنه متطرف وله سوابق في هذا المجال.
هنا يحضر أيضا الحديث الذي يقول: “لا يقتل مسلم بكافر” وهو حديث رواه البخاري ويعتبره معظم الفقهاء صحيحا ويجمعون عليه، كما توجد أحاديث قريبة منه تعضده مثل الحديث الذي يقول «المؤمنون تَكَافَأُ دماؤهم، وهم يد على من سِوَاهم، ويسعى بذِّمَّتِهِم أدناهم، ألا لا يُقتل مؤمن بكافر، ولا ذُو عَهْد في عهده، من أحدث حَدَثَاً فعلى نفسه، ومن أحدث حدثا، أو آوى مُحْدِثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».
ومعنى الحديث الأول أن المسلم إذا قتل كافرا أو غير مسلم فإنه يمكن إيقاع أي عقوبة بحقه يراها القاضي مناسبة باستثناء القتل، أي الحبس أو الجلد وما شابه ذلك.
والسبب في هذا هو الاعتقاد الراسخ بأن دم المسلم أعلى قيمة من دم غير المسلم. فلا يجوز والحالة هذه أن يتساويا في العقوبة المستوجبة في حالة القتل.
وهذا يعني أن قاتل غير المسلم يضع في ذهنه وهو يرتكب جريمته أمرين، الأول أنه يقوم بعمل ربما فسره بناء على أقوال بعض المتشددين بأنه جيد ومحمود من الناحية الدينية، والأمر الثاني أنه في جميع الأحوال لن يتعرض لعقوبة الإعدام، وربما ساعده البعض في الجهاز القضائي والتنفيذي ممن يتبنى نفس أفكاره على تفادي العقوبة المنصوص عليها في القانون تحت طائلة المرض النفسي وما شابه ذلك.
هذا لا يعني بالضرورة أن قاتل القس المصري قد استند على هذا الحديث أو غيره قبل القيام بفعلته، فهذا أمر متروك للقضاء كي يحقق فيه ويتوصل إلى حقيقة ما حدث فعلا، لكنه يعني أن الثقافة الدينية السائدة تشجع على هذه الممارسات وخاصة حينما يتعلق الأمر بالتعامل مع غير المسلمين أو المختلفين في الطائفة.
فحين يكون هؤلاء أقل قيمة أو مكانة في نظر “الخالق” من الطبيعي أن يكونوا أكثر عرضة للاستهداف من قبل “المخلوق”.
وهناك من يجادل بأن هذا ليس مقتصرا على الإسلام فقط، فمعظم الأديان الأخرى تنظر بنفس الطريقة تقريبا لأتباع غيرها أو الذين لا يشاطرونها نفس الاعتقاد، وهذا القول في الإجمال ربما يكون صحيحا، لكن الفرق هو أن تلك الأديان ليست دينا للدولة أو مصدرا رئيسيا للتشريع!
بمعنى أن تلك الاعتقادات تخص المؤمنين بها ولن تجدها في المجال العام، أي في التشريعات وفي مناهج التعليم أو في وسائل الإعلام أو خطب المساجد، كما هو الحال مع المجتمعات الإسلامية، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية!