بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 22 أبريل 2022/
مع كل حدث دولي صغير أو كبير تكون الولايات المتحدة طرفا مباشرا أو غير مباشر فيه تزداد التكهنات والسيناريوهات التي يغلب عليها طابع التمني والوهم، بقرب سقوط الولايات المتحدة أو قرب انهيار اقتصادها أو تدهور الدولار وما شابه.
وأقول إن هذه جميعها تمنيات لأصحابها وهي من قبيل أحلام اليقظة لا أكثر ولا أقل. لماذا؟ لأنه ببساطة لا يدعم هذه التكهنات أية معطيات أو بيانات اقتصادية حقيقية.
فلكي يحدث ما يتصورون أو يتمنون يجب أن يصاب الاقتصاد الأميركي بضرر كبير وغير مسبوق يتجاوز الأزمات المعتادة، والتي عادة ما يواجهها هذا الاقتصاد بين فترة وأخرى قبل أن يقوم بتصحيح نفسه والخروج منها.
حتى الآن، فإن جميع المؤشرات تدل على أن الاقتصاد الأميركي يحافظ على قوته من ناحية الناتج المحلي الإجمالي ومن ناحية القدرة الشرائية للمواطنين ومن ناحية معدلات البطالة ومن ناحية الاستثمارات والإنتاج الصناعي، وأن التضخم الحالي وكذلك ارتفاع أسعار النفط ليسا سوى تقلبات اعتيادية، سرعان ما تستقر وأنه لا يوجد اقتصاد في العالم اليوم هو في وضعية أفضل من الاقتصاد الأميركي تسمح له بمواجهة التقلبات في الأسواق العالمية.
البعض اعتبر مثلا أن الخلاف الأميركي السعودي والحديث عن توجه الرياض لاعتماد اليوان في تعاملاتها النفطية مع الصين، مؤشرا على قرب انتهاء حقبة البترودولار، أي ربط سعر النفط بالدولار وبالتالي انهيار هذا الأخير.
والبعض اعتبر مثلا أن الحرب الروسية على أوكرانيا وما رافقها من عقوبات غربية على موسكو سوف يدفع إلى اضمحلال الدور الأميركي عالميا.
لكن ما لا يأخذه هؤلاء بعين الاعتبار هو أن جميع البدائل الأخرى عن التعامل مع الولايات المتحدة أو الدولار الأميركي هي بدائل سيئة من الناحية الاقتصادية وأيضا السياسية.
كذلك، فإن التأثيرات التي تصيب الاقتصاد الأميركي تجد صداها مباشرة في الاقتصاد العالمي وهي تنعكس بصورة سلبية أشد على هذه الدول.. وأن أي حالة ركود أو أزمات اقتصادية في الولايات المتحدة، تجر معها الاقتصادات العالمية بما في ذلك الاقتصاد الصيني إلى أسفل. وبالتالي فإنه لا توجد مصلحة حقيقية لأية دولة في إلحاق الضرر بالاقتصاد الأميركي، لأنه لا توجد دولة أخرى قادرة على القيام بنفس الوظائف والأدوار التي تقوم بها الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي.
ما هي إذن أسباب هذه التمنيات؟ إنها أسباب تتعدد وتتنوع. فهناك تلك المتصلة بالنظرة السلبية التقليدية للسياسة الأميركية الخارجية، والتي تغذيها مشاعر الغضب مما يعتبره هؤلاء وقوفا أميركيا غير مشروع إما مع الأنظمة الحاكمة أو تجاهلا للقضايا العربية العادلة! وما يميز هذه النظرة هو طابعها الانتقامي.
وهناك أيضا النزوع التقليدي للنفس البشرية والذي يلقي فيها الإنسان بالمسؤولية عن مشاكله وعقده وأزماته على الآخرين، ولا سيما هؤلاء الذين يتربعون على القمة. وهذا ما تكشف عنه النغمة المعتادة بشأن الحاجة إلى إنشاء نظام متعدد الأقطاب وما شابه ذلك.
والواقع أن النظام العالمي الحالي هو متعدد الأقطاب بالفعل، كما يدل على ذلك النظام المتبع في مجلس الأمن الدولي وكذلك في المؤسسات الاقتصادية العالمية، لكن بروز الدور الأميركي في هذا النظام هو بسبب حجم الولايات المتحدة، وقوتها الاقتصادية، والعسكرية، والسياسية.
من الأسباب الأخرى أيضا تلك التي تتصل بعدم رضى بعض الحكومات العربية عن النهج الواقعي للسياسة الخارجية لواشنطن لا سيما في السنوات الأخيرة (وتحديدا فترة حكم أوباما والآن بايدن) والتي تميزت بما أسميه مرحلة النضج، عبر إيجاد نوع من التوازن ما بين المصالح والقيم الأميركية.
فحتى الآن كانت الولايات المتحدة تغلب المصالح المشتركة وكانت تأخذ جانب الحكومات من دون تحفظ، بل وتخوض الحروب وتشارك في النزاعات معها ونيابة عنها.
اليوم، اكتسبت الإدارات الأميركية ما يكفي من الحكمة في التعامل مع شؤون الشرق الأوسط، بحيث أصبحت تميز بين التحالف والصداقة والشراكة. إن معظم العلاقات مع حكومات المنطقة تأسست على أساس المصالح المشتركة وليس القيم المشتركة، وغالبية هذه الحكومات لا تشاطر الولايات المتحدة نفس القيم أو المبادئ.
ولذلك فإن أي محاولة لإعطاء دور لهذه الأخيرة في سياق العلاقات ربما تسبب في اختلالها وحدوث الاضطراب بها. وهذا من أسباب بعض ما نشهده اليوم.
والحال أن الأوهام والتمنيات بقرب انهيار الولايات المتحدة أو اضعافها أو انحسار نفوذها دوليا، هي كما رأينا خليط من مشاعر المرارة والإحباط والغضب الناجم عن السياسة الخارجية الأميركية والتغيرات التي طرأت عليها، وهي لا تقوم على أساس حقيقي أو تقييم واقعي وهذا يجعلها في الأخير مجرد تنفيس لذلك الغضب، وهو أمر مفهوم بالطبع، لكنه لن يلبث أن يهدأ (وإن لم ينته) بمجرد أن تنضج حكومات المنطقة هي الأخرى وتستوعب التغيرات الناشئة.