مجتمعات فاشلة!

بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 24 مارس 2022/

كثيرون عبروا عن غضبهم لأن بعض الدول الأوروبية عاملت اللاجئين الأوكرانيين على نحو أفضل من باقي اللاجئين وخاصة القادمين من الدول العربية والإسلامية، لكن لا أحد تساءل لماذا يوجد في الأساس لاجئون من هذه الدول في أوروبا؟ 

وإذا كان من المفهوم لجوء الأوكرانيين أو غيرهم بسبب الحرب فلماذا لا يزال حتى اليوم يهرب السوري والعراقي واللبناني والجزائري والمصري والمغربي والأفغاني والإيراني.. إلخ من بلاده؟

هي إذا ليست مشكلة أوروبية، ولكنها مشكلة هذه المجتمعات التي تنتج اللاجئين بدلا من توفير فرص العمل والحياة الكريمة لمواطنيها. هي مشكلة هذه المجتمعات التي تتفاخر بقوانينها وتشريعاتها المشبعة بثقافة التمييز على أساس الدين والعرق والجنس والطاردة لكل قيمة حضارية وإنسانية!  

وعليه فالغضب يجب أن يوجه ناحية هذه المجتمعات وليس للآخرين أيا تكن قوانينهم وطريقة تعاملهم، إذ لا يوجد سبب أو منطق يجعل دول العالم تتحمل تبعات فشل الدول العربية والإسلامية في إدارة شؤونها. 

وبالمثل يجد الكثير من الفلسطينيين في الحرب الحالية فرصة للشكوى والتذمر مما يعتبرونه تمييزا من قبل المجتمع الدولي في حملته ضد روسيا ووقوفه إلى جانب أوكرانيا، بينما لا يكترث لما تفعله إسرائيل مع الفلسطينيين!

وهنا أيضا نجد مغالطة كبرى. فلا القضية الفلسطينية يمكن مقارنتها بالحرب الروسية على أوكرانيا، ولا الأطراف هنا تشبه الأطراف هناك، ولا الظروف أو الملابسات أو طبيعة النزاع هي ذاتها.

ومع ذلك فليس صحيحا أن العالم قد أدار ظهره للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. الواقع أن هذا الصراع أخذ من الوقت والجهد والأموال من المجتمع الدولي (ولا يزال) ما لم تأخذه أي قضية أخرى. 

لكن المشكلة أن الفلسطينيين والإسرائيليين لا يريدون حلا دوليا لهذا النزاع. كلاهما وخاصة الفلسطينيين، رفضوا ويرفضون جميع المبادرات التي قدمت لهم من أجل الحل. وهؤلاء بالذات مثلهم مثل المجتمعات العربية المنتجة للاجئين، فاشلون في الإدارة وفاشلون في السياسة وفاشلون في الاقتصاد ولا يفعل قادتهم سوى تعليق مسؤولية هذا الفشل على عاتق الآخرين.

بالطبع هذه الشكوى وذلك التذمر لن يجلبا حلا ولن يجعلا المشاكل تختفي من تلقاء نفسها. ومهما فعل المجتمع الدولي من جهود أو اجترح من حلول فلن يكتب لها النجاح ما لم يعترف هؤلاء بالتقصير أولا ويقومون بإصلاح أنفسهم ثم إصلاح مجتمعاتهم.   

والحال أن الغضب الأكبر الذي نشهده في معظم وسائل الإعلام العربية، سواء في موضوع معاملة اللاجئين أو التعامل الدولي مع الحرب في أوكرانيا، هو مؤشر مقلق على أن ثقافة التسيب والتملص من المسؤولية عميقة الجذور ومنتشرة بصورة تمنع أي فرصة للإصلاح. 

ولعله من المثير للسخرية أن البعض يرد على ذلك بالقول إن الدول الغربية هي المسؤولة عما آل إليه الوضع في الدول العربية بسبب فترة الاستعمار وبسبب تدخلاتها في شؤون هذه الدول وبالتالي عليها أن تتحمل مشكلة اللاجئين مثلا!

وهذا منطق معوج وعقيم، يجمع الخطل إلى الفساد. فهو إضافة إلى أنه يجعل الإصلاح موضوعا للمناكفة بين الدول، كما لو أنه كرة تتقاذفها هذه الأطراف فيما بينها، فإنه أيضا يخلق طبقة كثيفة عازلة تقضي على أي أمل للإصلاح في الدول العربية والإسلامية. فمادام أن الدول الغربية تتدخل وهي سوف تفعل ذلك بصورة أو بأخرى في المستقبل أيضا، فإنه يمكن تبرير الفساد والاستبداد والتسلط الديني والكسل المجتمعي.

فالخارج دائما هو الذي يقرر، بينما الداخل لا حول له ولا قوة!

حين انسحبت القوات الأميركية من أفغانستان ورأينا كيف فضل بعض الأفغان المساكين التعلق بعجلات الطائرات بدلا من العيش في ظل حكم طالبان، كان لسان حال البعض هنا هو أن هؤلاء يستحقون ما يجري لهم لأنهم عملاء للقوات الأجنبية!

لكن هؤلاء المتنمرون والمفتونون بعودة “الحكم الإسلامي” قد فوتوا المغزى الحقيقي للظاهرة والمتمثل في الإجابة على السؤال التالي: لماذا وكيف وصل الحال بأناس أن يفضلوا الموت على أن يحكموا من قبل عصابات طالبان! 

وهو المغزى ذاته الذي يمكن استخلاصه من اللاجئين الذين يقذفون بأنفسهم في البحر وفي الغابات وفي الجليد من أجل أن يصلوا إلى أوروبا. ترى لماذا يفعل هؤلاء ما يفعلونه؟ 

هذا هو السؤال الذي يجب أن يشغل ويؤرق بال الكثيرين حتى يجيبوا عليه إجابة مقنعة.  

ولا تصدقوا أن الفقر هو السبب الوحيد لهذه الظاهرة. فالفقر موجود في العديد من دول العالم، من شرق آسيا إلى أميركا الجنوبية، ومع ذلك فالقليل من الدول فقط هي التي تقذف مواطنيها إلى خارج حدودها على هذا النحو! بل الواقع أن العديد من اللاجئين من الدول العربية والإسلامية لديهم ما يكفي من المال لتغطية تكاليف الرحلة والدفع للمهربين من أجل الوصول إلى وجهاتهم. 

إن ما يدفع هؤلاء للمغامرة بأرواحهم والمشي على الحد الفاصل بين الحياة والموت هو أنهم لم يعودوا يرون أن ثمة حد فاصل بين الاثنين في مجتمعاتهم، حيث ينعدم الأمل وينعدم المستقبل. وإذا لم تكن هذه هي قمة الفشل فماذا تكون إذا؟

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *