طالبان والإدمان على التشدد الديني!

بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 1 أبريل 2022/

إدمان حركة طالبان والجماعات الإسلامية المشابهة على القوانين والقيود والأوامر الدينية المتشددة وخاصة تلك الموجهة ضد النساء والمختلفين في الدين يجعلها غير قادرة على مقاومة أي إغراء في هذا الجانب مهما كان ضعيفا.

فقبل أيام أصدرت الحركة أحدث قيودها وهي تعليمات لشركات الطيران العاملة في أفغانستان تطلب منها حظر سفر النساء بدون محرم على رحلاتها. 

وهو أمر يذكرنا بتعميم كان قد أصدره “المجلس الأعلى للقضاء الشرعي” (المجلس) في قطاع غزة، وهو هيئة تديرها سلطات “حماس”، في 14 فبراير/شباط 2021 يسمح لأولياء الأمر الذكور بتقييد سفر النساء غير المتزوجات.
قبل ذلك بأيام أيضا أمرت حركة طالبان بإغلاق المدارس الثانوية للفتيات في أفغانستان، (23 مارس/آذار) إلى أجل غير مسمى وذلك بعد ساعات من إعادة فتحها.

ولم تقدم وزارة التعليم أي تفسير واضح لقرار الإغلاق. لكن مصدرا في طالبان أفاد لوكالة الأنباء الفرنسية أن القرار جاء بعد اجتماع عقده مسؤولون كبار من طالبان في مدينة قندهار بجنوب البلاد مركز القوة الفعلي للحركة ومعقلها المحافظ.

وقد تسبب هذا القرار في صدمة كبيرة لأهالي الطالبات الأفغانيات وكذلك لدى المجتمع الدولي، كما أحرج القطريين الداعمين الرئيسيين لحركة طالبان وأبرز حلفائها والذين سعوا إلى الترويج بأن الحركة قد تغيرت وأصبحت معتدلة!
إذ لم يستطع وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني سوى القول بأن قرار طالبان بمنع الفتيات من دخول المدارس جاء بمثابة “صدمة” وحثهم على إعادة النظر فيه.

والواقع أن سجل حركة طالبان منذ وصولها إلى السلطة في كابل في أغسطس الماضي يكشف أنه ورغم المحاولات الكبيرة التي بذلت لتبييض صفحتها ومن قبل عدة أطراف، إلا أنها لم تتغير في حقيقة الأمر. 

فقد تصرفت بنفس الطريقة التي يعرفها المجتمع الدولي عنها، حيث أعادت تطبيق ترسانة القيود والأوامر والإجراءات الدينية التي كانت قد فرضتها خلال حكمها السابق، وخاصة تلك المتعلقة بعمل النساء ودراستهن وطريقة لبسهن وتنظيم وجودهن خارج المنزل.. الخ. إضافة بالطبع إلى القيود الأخرى المفروضة على المجتمع بأكمله.

لذلك فإن السؤال الحقيقي الذي ينبغي أن يطرح هنا هو هل يمكن لحركة مثل طالبان أن تتغير فعلا، وماذا يتبقى منها إن هي تخلت عن فرضها لقوانين الشريعة الإسلامية والإجراءات المقيدة للحقوق والحريات؟
الإجابة كما اتضح حتى الآن على الأقل هي أنه من الصعب بالفعل حدوث مثل هذا التغير، لأنه إن حدث ذلك لا تعود حركة طالبان هي نفسها.

ولأنه ليس لديها مشاريع أو برامج تنموية عصرية فإنها بحاجة إلى هذه النزعة الدينية التشددية كي تحكم سيطرتها على المجتمع الأفغاني من جهة وكي تظل محتفظة بالقدر المطلوب من المشروعية في نظر الجماعات والدول الإسلامية الأخرى التي لا تخفي إعجابها وارتياحها من نموذج طالبان رغم ما يبدو عليه الحال أحيانا من حرج من تصرفات الحركة وأحيانا أخرى من اختلاف نسبي في التفسير والتأويل.

ولذلك فإن الاستراتيجية التي يبدو أن طالبان تنتهجها حاليا في وجه الضغوط الدولية والعزلة التي تعيشها هي المماطلة والتسويف وإعطاء الانطباع بوجود تغيير لكن من دون تغيير حقيقي، وهي استراتيجية لا تتناقض مع المنطلقات الدينية التي تتبعها.   

لكن هذا النهج غير قادر أيضا على خداع المجتمع الدولي، ولذلك فإن الإجماع على عزل الحركة ونبذها ورفض إقامة أية علاقات دبلوماسية معها لم يضعف، بل هو يتعزز كل يوم.        

والواقع أن سياسة النبذ والعزل والتجاهل قد تكون هي المخرج المناسب في مثل هذه الحالة، إذ ليس هناك فائدة أو معنى من التدخل النشط، ومن الجهة الأخرى فإنه يستحيل على أية حكومة في العالم المتحضر تحترم نفسها أن تقيم علاقات مع حركة أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها ظلامية ومعادية للقيم الإنسانية.  

هل هناك إمكانية أن ينشأ صراع داخل طالبان بين تيار يدعو إلى التغيير وآخر يدعو للمحافظة على المبادئ الحالية؟
ربما يكون مثل هذا السيناريو ممكنا خاصة أن قرار إغلاق المدارس الثانوية للبنات كشف عن وجود حالة من الإرباك داخل صفوف الحركة وربما خلافا في الرأي أيضا. فالقرار يبدو أنه فاجأ حتى وزارة التربية والتعليم نفسها والتي كانت

قبل يوم فقط من بدء الدراسة قد بثت شريطاً مصوراً تهنئ فيه جميع الطلاب بالعودة إلى مقاعد الدراسة. 
لكن يصعب بالطبع التعويل على انقسام كهذا. كما يصعب التعويل على وجود تيار معتدل حقيقي في صفوف طالبان، وحتى في حالة وجوده فإن الغلبة حتى الآن كما يبدو هي للمتشددين ولا توجد مؤشرات على أن الحركة في طريقها إلى التعافي من الإدمان على التشدد الديني.  

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *