باقة الأكاذيب في حديقة الشرق الأوسط

بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 4 فبراير 2022/

ليس من المستغرب أن تتغلب لغة المصالح والمعائش على الشعارات الصاخبة والضجيج الصادر عن جماعات ونخب وحتى أفراد في المنطقة يقدمون أنفسهم على نحو مغاير في ظروف أخرى. فهذا حدث ويحدث مرارا وتكرارا أمام الأعين وخلفها. 

المستغرب هو حالة الإنكار وخلط الأوراق والتعمية على الأحداث على النحو الذي يخلق انطباعا بأن ذلك كله يحدث فحسب ابتغاء لمرضاة الله وما يعتبرونه قضايا ومبادئ ثابتة!

في الأيام القليلة الماضية تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال مقابلة خاصة مع قناتي “NTV” و”Star TV” المحليتين عن الزيارة التي سيقوم بها نظيره الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى تركيا هذا الشهر.

أردوغان تحدث ضمنا عن تشوفه لهذه الزيارة التي وصفها تصريحا بأنها تعتبر “تطورًا إيجابيا”، وقال إن مرحلة جديدة في علاقات تركيا وإسرائيل ستبدأ مع تلك الزيارة.

من الواضح أن أردوغان وحكومته تعولان كثيرا على نجاح زيارة المسؤول الإسرائيلي وبالتالي ثمة جهود دبلوماسية وسياسية تركية كبيرة تبذل من أجل أن تتم في الوقت والشكل المطلوبين. 

لكن المفاجأة أن كثيرين تجاهلوا عن عمد هذه التصريحات وأصابتهم حالة من اللعثمة واللجلجة في الحديث عن هذا الموضوع الذي طالما صالوا وجالوا فيه، ومن لم يفعل فقد اعتبر تلك التصريحات جزءا من البراغماتية السياسية والمصالح الطبيعية لتركيا، بل هناك أيضا من وجد العذر لأردوغان فيما يفعل ولم يشكك أحد في دوافعه أو ينتقده على هذه المواقف! 

لكن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ نفسه كان قبل أيام في زيارة إلى الإمارات (30 يناير). هنا كان رد الفعل مختلفا. فقد تجدد الهجوم على الإمارات وتجدد الحديث عن التطبيع وما شابه. 

والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل ما هو حلال على تركيا حرام على تلك الدول؟ 

 أم أن الأمر لا علاقة له بإسرائيل وإنما بمن يقيم العلاقات معها! فإن كان هذا الذي يقيم العلاقات من “جماعاتنا” فلا بأس في ذلك ولنلتمس له الأعذار وأيضا نذكّر الآخرين بالواقعية والمرونة المطلوبة في العلاقات بين الدول، أما إذا كان الذي يقيم العلاقات من “أعدائنا” فهذه فرصة للهجوم لا ينبغي تفويتها، بل يجب استحضار قاموس الشتائم القومية والدينية والتذكير بوحدة الأمة وقضاياها.. الخ!

بالطبع موضوع إسرائيل ليس سوى نموذج لحالة الانفصام أو التوظيف الممنهج للشعارات والقضايا التي تزخر بها الساحتان العربية والإسلامية. 

لكن ثمة نماذج كثيرة على ذلك لا يتسع المقام هنا لذكرها. لعل من بينها الموقف من إيران وميليشياتها في المنطقة. فهناك من جهة كراهية وعداء شديدين حينما يتعلق الأمر بالتدخل العسكري الإيراني سواء في سورية أو العراق أو غيرها، ومن جهة أخرى هناك إعجاب وتأييد كبيرين بإيران حينما يتعلق الأمر بصراعها مع الولايات المتحدة أو صراعها مع إسرائيل.

 بل هناك جماعات ونخب وأفراد تعتاش على الدعم والتمويل الإيراني المباشر وغير المباشر، رغم أنها في قضايا أخرى تلبس أردية مختلفة، مرة رداء القومية العربية ومرة رداء المقاومة ومرة رداء الإسلام السياسي وهكذا.
حالة الانفصام والتشظي هذه انتقلت حتى إلى بعض اليسار والقوميين والعلمانيين، الذين يمكن العثور بينهم على مؤيدين كبار لأحزاب دينية مثل حزب الله فقط بسبب موقف الحزب السياسي من الولايات المتحدة وإسرائيل، ويمكن العثور بينهم أيضا على خصوم لحزب الله بسبب تدخله في سورية، لكن يتحول الحزب إلى حليف إذا تعلق الأمر بالموقف من إسرائيل مثلا!

ومع أن غالبية هذه المواقف تقف خلفها أشكالا متفاوتة من الدعم المالي والسياسي، وأنه لولا ذلك لتبخر هذا التأييد وانقرض، مع ذلك يخيل إليك وأنت تستمع إلى آراء وتحليلات ومواقف هؤلاء كما لو أن المسألة تعود إلى مجرد قناعات وإيمان خالص بالثوابت وما شابه… الخ.

والواقع أن هذا ليس مقتصرا على جماعات دون غيرها، بل هو ينطبق أيضا على الكثير من الجماعات في المنطقة. لكن المشكلة باعتقادي هي أنه إضافة إلى تقديم مسائل المبادئ والثوابت والقضايا المركزية ودفعها إلى الواجهة في كل نقاش أو إطلالة تلفزيونية، هناك أيضا الدفاع المستميت عن هذا النظام أو ذاك، الأمر الذي يجعل محاسبته أو توجيه الانتقاد إليه أمرا بعيد المنال وخاصة في القضايا الحقوقية والسياسية.   

بعبارة أخرى فإن هذه التناقضات وحالات الانفصام ساهمت في تشويه العقول والقلوب في المنطقة، وإلى الدرجة التي أصبح فيها البحث عن موقف عقلاني ومتزن هو مثل البحث عن إبرة وسط كومة من القش!

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *