عمران سلمان – 16 فبراير 2012/
يقول عنوان لصحيفة نيويورك تايمز (14 فبراير) إن الربيع العربي فشل لكن طعم الديمقراطية الذي ذاقته الشعوب في ظله ما زال يثير شهيتها للتغيير!
الواقع أن ذلك هو مجرد اشتباه، فما ذاقته الشعوب العربية لم يكن هو طعم الديمقراطية، وإنما هو طعم الفوضى وانفلاش قبضة الأمن والاحتكام إلى الغرائز البدائية. وهو طعم لا شك أنه يثير الشهية لأن الطبيعة البشرية في أبسط صورها تميل إلى ذلك.
هناك جنوح في العالم الغربي إلى تفسير كل تحرك سياسي شعبي في الشرق الأوسط إنما يهدف إلى تحقيق الديمقراطية. وهذا مجرد وهم وإسقاط لما يريده أو يعتقده هؤلاء الجانحون. الواقع أن الديمقراطية بعيدة التحقق في العالم العربي، لأنه لا توجد لها أية أرضية أو مقومات، دينيا وثقافيا واجتماعيا.
الصراعات المهيمنة اليوم هي صراعات ليس ميدانها الديمقراطية، وإنما الهوية والطائفة والقبيلة والجهة.
فالناس لا تريد الحرية لأنها تفتقدها، فهي أصلا مقيدة دينيا واجتماعيا، أكثر بكثير من القيود السياسية. ما تريده الناس هو تأمين لقمة العيش أولا، وتاليا الاعتراف بهويتها سواء الدينية أو القومية أو الاجتماعية أو القبلية.
أما مسألة الديمقراطية فالحقيقة أنه لا أحد يكترث لها في العالم العربي. بل لا أحد يفهم ماذا تعني في نهاية المطاف.
فإذا تحدثنا عن صندوق الانتخاب، فهو لن يزيد عن وسيلة لتأكيد تلك المطالب، ولذلك فهو لا يعكس سوى الانتماء الديني أو القومي أو الاجتماعي أو القبلي، وإذا تحدثنا عن البرلمان الذي ينتج عن هذه الانتخابات فهو الآخر يعكس هذه المفاهيم.
وبطبيعة الحال يرى الجانحون، وهم محقون، بأن النظام الديمقراطي لا يعني فقط صناديق الاقتراع وفوز الأغلبية، وإنما يعني جملة مبادئ تشمل التعددية والتسامح وحماية حقوق الأقلية وسلطة القانون وحقوق الإنسان … الخ.
وفي العالم العربي لا وجود لهذه المبادئ. فرغم أن الدساتير تنص على الفصل بين السلطات، لكن الجميع يعلم ويقر بأن هذا الأمر لا يمكن أن يحدث على ذلك النحو. لأن الحكومات، وهي حصيلة الوعي الطبيعي والجمعي للمجتمع، لا يمكن أن تمارس هذا النوع من الفصل. فهي لا بد أن تمارس الهيمنة الطبيعية على البرلمان وعلى السلطة القضائية، كلما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
الناس أنفسهم لا يمكنهم أن يستوعبوا وجود مثل هذا الفصل. هم يتوقعون بأن “رجلهم” في البرلمان أو السلطة من المفترض أنه يستطيع أن يمرر لهم بعض الخدمات ويمارس الضغوط هنا وهناك كي يتمكن من تحقيق بعض المصالح.
وهو بدوره لا بد أن يسعى في هذا الأمر، كي يحقق ثقة جماعته فيه ويأتي ضمن توقعات أفرادها.
من باب الدعابة فقط، وربما الجد أيضا، أقول إن ترامب تقمص هذه الشخصية العالمثالثية. فقد كان يحلم بأن يظل رئيسا إلى الأبد في أميركا، وسعى للتدخل في جميع السلطات، وانتقد القضاء وحاول أن يرهب مسؤولي الولايات، كي يؤمنوا له الفوز في الانتخابات، وعندما فشلت جهوده أمر أنصاره بمهاجمة الكونغرس (البرلمان) كي يوقفوا عملية التصديق على نتائج الانتخابات.
طبعا النظام الديمقراطي في أميركا قوي إلى الدرجة أنه لم يفشل جهود ترامب فحسب، وإنما سعى إلى معاقبته. وهذا النظام يملك من الوسائل التي تحول دون ولادة أية ديكتاتورية مهما كان شكلها.
لكن ما فعله ترامب هو النسخة الطبيعية لما يحدث في البلدان العربية، مع أن الحاكم أو المسؤول هناك لا يحتاج إلى القيام بكل ذلك، فلديه من الوسائل التي تؤمن له تحقيق نفس النتائج بأقل قدر من الخسائر. والناس أيضا يمارسون الشيء نفسه ضمن مستواهم وفي نطاق قدرتهم وحيثما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
والخلاصة هي أن الحديث عن الديمقراطية في المنطقة العربية الذي جاء في مقالة نيويورك تايمز، هو حديث يجمع إلى السذاجة، استباق الأوان، فثمة صراعات مجتمعية ودينية وطائفية ينبغي أن تحسم أولا كي تسمح للإنسان في هذه المنطقة بالتحرر من القيود التي تتحكم في جميع قراراته واختياراته.
حينما يصبح الإنسان قادرا على تحقيق فردانيته والشعور بأهميته كفرد، بصرف النظر عن الانتماءات الأخرى، وحين يصبح قادرا على ممارسة حرية الاختيار وتحمل مسؤولية هذا الاختيار، حينها يصبح للديمقراطية معنى في العالم العربي.
وحنها يصبح هناك طعم للديمقراطية يمكن أن يتذوقه الإنسان العربي.