عمران سلمان – الحرة – 18 ديسمبر 2020/
مع انتهاء هذا العام، يكون قد انقضى عقد كامل على ما بات يعرف بانطلاق “ثورات الربيع العربي”. خلال هذا العقد لم نشهد فقط ثورات وحروبا أهلية وانقسامات، وإنما شهدنا أيضا تبدلات وتحالفات سياسية جديدة، غيرت أو تكاد من المشهد العام في المنطقة بأسرها. ولا ريب أن السؤال الأهم هو هل أصبحت المنطقة اليوم أفضل أم أسوء نتيجة لما حدث؟
هذا السؤال رغم مباشرته، ستكون الإجابة عليه بالنفي أو الإيجاب مجحفة، لأنها سوف تسقط الكثير من التفاصيل التي وإن تفاوتت أهميتها من بلد عربي إلى آخر، إلا أنها تظل مهمة بالنسبة لمن يعنيه أمرها. كما أنها تشكل جزءا من المشهد العربي العام، الذي لا يكتمل من دون هذه الأجزاء. لذلك فإني لن أحاول هنا الإجابة على السؤال أعلاه، وبدلا من ذلك سوف أوجه دفة الحديث نحو محاولة فهم ما حدث وما هو مغزاه.
هل كانت ثورات الربيع العربي من أجل الديمقراطية؟
حين ينظر أي مراقب من الخارج لما جرى عام 2011 وما تلاه، بما في ذلك الشعارات التي رفعها المتظاهرون في أكثر من بلد عربي وطبيعة القوى الناشطة على الأرض، ربما يخرج بانطباع وهمي بأن المحرك خلف ذلك لا بد أن يكون هو السعي نحو تحقيق قدر أكبر من المشاركة السياسية وضمان إجراء انتخابات نزيهة وأكثر تمثيلا وإطلاق الحريات العامة وإقامة أنظمة حكم غير مستبدة.. الخ.
لكن نفس المراقب سوف يفاجأ لدى الاقتراب، بأن هذه الثورات لم تكن بالضرورة تعبيرا عن غياب الديمقراطية وأن شعار “إسقاط النظام” قد لا يعني أن الهدف هو استبدال ذاك النظام بآخر من نوعية مختلفة. يمكن القول بإنصاف أنه في الكثير من الأحيان لم يكن واضحا شكل أو طبيعة النظام الذي يتطلع إليه المتظاهرون.
ومع الاقتراب أكثر، سوف نلاحظ أن تلك الثورات لم تكن في حقيقتها أكثر من هبات عفوية غاضبة، أشعلتها عوامل بعضها آني، وبعضها تراكم عبر الزمن، اقتصادي وسياسي واجتماعي ونفسي.. الخ، وأن الجميع قد تفاجأ من حجم الحراك في الشارع.
هل كانت هذه الثورات من أجل التغيير فقط؟
المرحلة العفوية استمرت بعض الوقت، لكن سرعان ما دخلنا في المرحلة الثانية، وهي المرحلة التي جرى فيها تسييس وتوجيه “ثورات الربيع العربي”. فما أن بدا أن هذه الثورات قد اكتسبت بعض الزخم وأظهرت قابلية للاستمرار والتوسع، حتى سيطرت عليها تدريجيا القوى المختلفة وخاصة جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها الإخوان المسلمين.
ومع الوقت تحولت إلى تصفية حسابات مع النظام القديم، سواء كانت حسابات سياسية أو أيديولوجية أو طائفية أو قبلية أو قومية أو ما شابه.
في هذه المرحلة خرجت أو أخرجت الحزازيات القديمة والمسائل التي لم تحسم عبر الزمن (من طائفية وقبلية ودينية وتوزيع اقتصادي.. الخ) من اللاوعي إلى أرض الواقع، وباتت هي الشعار الذي يحفز المشاركين في الثورات على الاستمرار، ويقدم لهم المبرر النظري والأخلاقي للمضي قدما.
لكن كان واضحا بصورة جلية أن هذه الثورات في غالبيتها، على الأقل، لم تكن تهدف إلى إقامة أنظمة حكم ديمقراطية أو ما شابه. بل سيكون من التعسف أن ينظر لها على هذا النحو.
هل كانت مدفوعة من الخارج أم صناعة محلية؟
حاولت الأطراف المتضررة ووسائل إعلامها، أن تربط بين تلك الثورات وبين جهات خارجية معينة، سواء كانت الولايات المتحدة والغرب عموما أو دول معادية. لكن الواقع أن هذه الثورات لم تفاجئ فقط الحكومات المحلية، وإنما فاجأت أيضا الغرب نفسه. والدليل على ذلك أن ردود فعله عليها، اتسمت في البداية ما بين التردد والتخبط. ولم تكن هناك سياسة موحدة تجاهها.
أما الاتهامات الموجهة للخارج فهي ليست أمرا جديدا في البيئة السياسية العربية، بل يمكن القول إنها السلاح الأكثر تجريبا، والأسهل تناولا والأكثر تأثيرا، للرد على ما يحدث محليا.
وما يمكن قوله اليوم بعد مرور عشر سنوات، أن “ثورات الربيع العربي” كانت بمثابة صرخة مجتمعية، ناجمة عن التململ وانسداد الأفق أمام أجيال عربية فقدت الأمل في التغيير. وهي وإن لم تقض على النظام السياسي العربي فقد أثخنت فيه الجراح، والأهم أنها بعثت بإشارة مهمة بضرورة التغيير. وإذا لم تنجح الحكومات والقوى المجتمعية المختلفة في التقاط الإشارة والعمل على تهيئة المناخات للتغيير الإيجابي المتوافق مع روح العصر والدولة المدنية الحديثة، فثمة قوى أخرى لن تتورع عن جر هذه البلدان إلى المزيد من الفوضى وإعادتها إلى العصور المظلمة.