عمران سلمان – 23 نوفمبر 2020/
يبدو أن السعودية قد حسمت نهائيا موقفها من جماعة الإخوان المسلمين، بعد عقود من المراوحة، شهدت خلالها العلاقة ما بين مد وجزر، وما بين دعم وفتور وعداء، فيما كانت السمة الأبرز أن السعودية شكلت معظم الوقت ملاذ آمنا لقيادات ونشطاء الإخوان الفارين من صدامات الجماعة مع حكومات بلدانهم، والتي كان بعضها على خلاف سياسي مع الحكومة السعودية نفسها مثل مصر وسورية.
ولا تعود أسباب القرار السعودي، كما سنبين لاحقا، فقط إلى التأثير السلبي الذي خلفه فكر وممارسات الإخوان داخل السعودية والذي بات عبئا على التوجهات الجديدة للمملكة، وإنما يجد تعبيره الأقوى أيضا في التحالفات الإقليمية الجديدة والموقف من إيران ومصر وتركيا. لكن في جميع الأحوال فإن القرار السعودي بقطع حبل السرة مع الإخوان يعني محاصرة نشاط الجماعة وتقليص نفوذها بشكل كبير في المنطقة.
المسار السياسي
اتخذ الهجوم السعودي على جماعة الإخوان المسلمين مسارين. الأول سياسي وتمثل في إعلان وزارة الداخلية السعودية في مارس/ آذار 2014 إدراج الإخوان بقائمة التنظيمات الإرهابية.
كما تعهد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالقضاء الكامل على ما تبقى من “فكر عناصر جماعة الاخوان المسلمين الذي غزا المدارس السعودية”.
وقال بن سلمان في مقابلة مع برنامج “60 دقيقة” على شبكة سي بي اس نيوز الأميركية إن “المدارس السعودية تعرضت لغزو من عناصر لجماعة الاخوان المسلمين، ولا يزال البعض منهم موجودا، ولكن في القريب العاجل سيتم القضاء عليهم نهائيا”. (1)
وفي لقاء له مع مجلة “تايم” الأميركية اعتبر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن الخطر من جماعة “الإخوان المسلمين” أكبر مما تمثله تنظيمات متطرفة أخرى، لافتا إلى أن هدفهم الرئيس هو تحويل أوروبا “لقارة إخوانية”.
وفي هذ المقابلة اعترف ولي العهد السعودي بوجود امتداد للإخوان في السعودية قائلا: “لدينا جماعة الإخوان المسلمين ومن ضمنهم السروريون (تنظيم سلفي أنشأه في السعودية والكويت خلال الستينيات والسبعينيات الشيخ السوري محمد سرور زين العابدين). هناك العديد من الأفلام الوثائقية التي شاهدناها حول العالم والتي تصف السروريين بالوهابيين، نحن في الحقيقة نصفهم بالسروريين في السعودية. هؤلاء أعلى بدرجة من الإخوان المسلمين، حيث إنهم ينظرون إلى الأمور من منظور أكثر تطرفاً في الشرق الأوسط… ولكنهم بموجب قوانيننا مجرمون، وحينما نملك أدلة كافية ضد أي أحد منهم، نقاضيهم في المحاكم”. (2)
وهذه النظرة إلى الاخوان باعتبارهم خطرا شاملا، ليست جديدة في السعودية، فقد سبق لولي العهد السعودي الراحل نايف بن عبد العزيز أن أدلى بتصريح شهير لصحيفة السياسة الكويتية قال فيه: “الإخوان يسعون لانتزاع الحكم والقيادة. لقد سيسوا الإسلام لأهداف ذاتية والكثيرون منهم اعتمدوا نهجا يرتدي عباءة الدين لزعزعة الأمة وتفتيتها”. وأشار إلى أن بلاده تحملت منهم الكثير، فهم “سبب المشاكل في عالمنا العربي وربما في عالمنا الإسلامي”. (3)
المسار الأيديولوجي
أما المسار الآخر، فهو الأيديولوجي. ففي 10 نوفمبر أصدرت هيئة كبار العلماء في السعودية بيانا نشرته في صفحتها الرسمية على تويتر قالت فيه إن جماعة الإخوان المسلمين هي جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي الدين الحنيف، وأضافت أن جماعة الإخوان المسلمين تتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفرقة وإثارة الفتنة والعنف والإرهاب. (4)
أعقب ذلك تصريحا لوزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في السعودية الدكتور عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ قال فيه إنه شخصيا حذر من جماعة الإخوان المسلمين الارهابية منذ أكثر من عشرين عاما ووصف فيه بيان هيئة كبار العلماء حول الجماعة بأنه شاف كاف واف ولا يعذر بعده أحد بالجهل بحقيقة هذه الجماعة. (5)
وفي 13 نوفمبر وجهت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية خطباء الجمعة بـ”قراءة بيان الهيئة، والتحذير من جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وحزبهم”.
وإضافة إلى المؤسسة الدينية، تخصص وسائل الإعلام السعودية، سواء في داخل المملكة أو خارجها، مثل قناة العربية وجريدة الشرق الأوسط وغيرها مساحات كبيرة لمهاجمة جماعة الإخوان المسلمين وقادتها.
جذور الخلاف
يعود الشرخ الرئيسي للعلاقة بين التنظيم الدولي للإخوان المسلمين والسعودية إلى موقف الجماعة من الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990، حيث أيد عدد كبير من قادة الجماعة وفروعها عملية الغزو ووقفوا إلى جانب صدام حسين. (6)
حاول قادة الجماعة فيما بعد توضيح موقفهم بالقول إنهم لم يكونوا مع الغزو لكنهم ليسوا أيضا مع إرسال قوات أميركية لتحرير الكويت، وهو موقف اعتبر بمثابة مسك للعصا من النصف. (7)
لم يؤد هذا الخلاف الكبير مع ذلك إلى القطيعة بين الإخوان المسلمين والقادة السعوديين. إذ استمرت هذه العلاقة، وإن كان شابها الكثير من التوجس والفتور. واستمرت الرياض معها في الانتقاء والتعاطي مع بعض فروع الجماعة ووصد الأبواب أمام فروع أخرى.
وفي حين كان الموقف السعودي من الفرع المصري للإخوان المسلمين متشددا، وخاصة بعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك وتولي محمود مرسي الرئاسة في مصر، ومحاولات الإخوان نشر أفكارهم وعقائدهم وأساليبهم في الدول العربية الأخرى، فقد حافظت الرياض على شعرة معاوية في علاقتها مع فروع الإخوان في فلسطين وسورية واليمن.
لكن ذلك لم ينف أن الحكومة السعودية بدأت تدريجيا تطور فهما جديدا للتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين وللإسلام السياسي بشكل عام. وحين قررت مصر والامارات والبحرين والأردن عام 2014 اعتبار جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، كان تقييم الرياض متوافقا مع هذه القناعة. بل اعتبرت أن أحد الأسباب الرئيسية للخلاف مع قطر يعود إلى أن هذه الأخيرة باتت اليوم هي الذراع المالي والسياسي والإعلامي للإخوان المسلمين.
العلاقة مع حماس
لكن أكثر تمظهرات التوجه السعودي الجديد تجاه الإخوان يجد تعبيره في العلاقة مع حركة حماس.
في عام 1993 وافقت السعودية على تعيين ممثل رسمي لحماس في الرياض وهو محمد الخضري، بالاتفاق مع الأمير تركي الفيصل رئيس جهاز الاستخبارات العامة حينذاك.
كما استمرت التبرعات المالية السعودية، الرسمية وغير الرسمية، للحركة، بما في ذلك 10 ملايين ريال سعودي عام 1998 قدمها الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز إلى حماس إبان زيارة الشيخ أحمد ياسين زعيم الحركة للمملكة عقب الإفراج عنه من السجون الإسرائيلية. (8)
وفي يوليو 2015 استضاف العاهل السعودي “سلمان بن عبد العزيز آل سعود” رئيس المكتب السياسي آنذاك “خالد مشعل”. وكانت هذه الزيارة هي الأخيرة تقريبا لمسؤول كبير من حماس إلى الرياض.
لكن السعودية قررت في عام 2019 تصفية وجود حركة حماس على أراضيها، فقد اعتقلت في أبريل من العام ذاته محمد الخضري وعدد من المقربين منه، بتهمة الانتماء إلى منظمة غير مشروعة وجميع أموال بطريق تخالف القانون. ثم عادت واعتقلت قسما آخر في فبراير 2020، بنفس التهم. وقد بلغ مجموع المعتقلين أكثر من ستين شخصا.
يعتبر العديد من المراقبين أن هذا التحول السعودي تجاه حماس، لا يعود فقط إلى الموقف العام من الإخوان المسلمين، ولكنه يعكس غضبا سعوديا متزايدا من التقارب الكبير لحماس نحو إيران والذي تسارع في السنوات الأخيرة.
وفي حين أن العلاقات بين حماس وإيران ليست جديدة، فهي تعود إلى بداية التسعينات، عندما سمحت طهران للحركة بفتح مكتب على أراضيها، إلا أن انتخاب الجناح الأقرب لإيران في قيادة حماس (13 فبراير/شباط 2017) والذي أتي بإسماعيل هنية رئيسا وخالد الحية نائبا له، ويحيي السنوار رئيسا للمكتب السياسي في قطاع غزة، قد أقنع القادة السعوديين بأن حماس قد أصبحت جزءا لا يتجزأ من المحور الإيراني في المنطقة. وكان ذلك واضحا في زيارة هنية ونائبه صلاح العاروري إلى طهران للتعزية في مقتل الجنرال قاسم سليماني.
في الإطار نفسه وسعت حركة حماس من علاقاتها مع قطر وتركيا، ويعتبر نشاط الحركة الإعلامي والسياسي في إطار استراتيجية الدولتين ملفتا على نحو خاص وموجها في جانب كبير منه ضد السعودية والإمارات.
إخوان سورية
وبالنسبة لإخوان سورية فقد تميزت هذه العلاقات بالدفيء وخاصة في ثمانينات القرن الماضي، حين قدمت السعودية الدعم المادي والإعلامي لهم واستقبلت قياداتهم بعد هروبهم من سورية إثر أحداث حماة والمعارك التي دارت بين الإخوان والجيش السوري، في أثناء عهد الرئيس السابق حافظ الأسد. (9)
وقد حافظ إخوان سورية على هذه العلاقات الجيدة مع الرياض، بالرغم من التحسن الملحوظ التي شهدته العلاقات الرسمية السعودية السورية في التسعينات خلال عهد الرئيس حافظ الأسد. وخلال الحرب الأهلية التي شهدتها سورية منذ عام 2011، وجد الإخوان آذانا صاغية لدى المسؤولين السعوديين الذين لم يبخلوا عليهم بالدعم والاستضافة.
وكان لافتا أن إخوان سورية بالتحديد سارعوا إلى إصدار بيان في 10 نوفمبر يعلنون فيه براءتهم من الفكر المتطرف وتنظيماته، ما أن بدا أن الحملة السعودية على الإخوان المسلمين آخذة في التوسع. ففي هذا البيان أعلنوا براءتهم “من فكر الغلو والتكفير بمدارسه وتنظيماته ومنظماته على امتداد الجغرافيا الإسلامية والعالمية، نبرأ من هذا الفكر ومن كل ما يصدر عن حامليه من تكفير وتقتيل وتفجير.. ونخصّ بالبراءة تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة وكل المسميات الرديفة والموازية والتي تستحل باسم الإسلام دماء الناس وأعراضهم”. كما أعلنوا براءتهم أيضا من إيران وتنظيماتها “ونؤكد براءتنا على السواء وبالقدر نفسه من المشروع الصفوي، ومن نظرية الولي الفقيه، ومن دولة الملالي في طهران.. “. (10)
ليس معروفا بعد ما إذا كان ذلك سوف يعيد الحكومة السعودية إلى مربع التمييز بين الإخواني الجيد والإخواني السيء، لكن من الواضح أن السعوديين قد حسموا أمرهم في التعاطي مع هذه الجماعة بشكلها العام.
ينطبق ذلك أيضا على حزب التجمع اليمني للإصلاح، وهو فرع الإخوان في اليمن، والذي لا تزال بعض قياداته تحتفظ بعلاقات جيدة مع السعودية، ويقاتل العديد من أعضائها إلى جانب التحالف العربي ضد الحوثيين.
الخلاصة
تعتبر تجربة دول الخليج مع الإخوان المسلمين والممتدة إلى عقود طويلة تجربة غير مريحة في حدها الأدنى وتجربة مريرة في حدها الأعلى. ورغم احتضان هذه الدول الطويل للجماعة وفروعها في المنطقة، إلا أنها لم تتمكن من دمجها ضمن المشروع الوطني العام في هذه الدول، وأسباب ذلك تعود إلى الطبيعة الأيديولوجية للإخوان وولائهم المطلق للتنظيم الأم وعدم إيمانهم بالدولة الوطنية. لقد بقي الإخوان على الدوام نتوءا ناشزا يتطلع نحو التنظيم الدولي ومشروع الخلافة التي يبشر بها. وفي الأوقات الحرجة التي كانت فيها دول الخليج تتطلع إلى المساعدة كان “الإخوان المسلمين” يتجهون إلى تنظيمهم لأخذ التعليمات والالتزام بسياساته.
ومع ظهور التصدعات في النظام العربي التقليدي الذي كان سائدا حتى عام 2011، وبروز محاور جديدة في المنطقة: المحور السعودي الإماراتي، والمحور الإيراني، والمحور التركي القطري، انحاز “الإخوان المسلمين” بوضوح إلى المحور الأخير وشكلوا أداته الأيديولوجية، الأمر الذي كان إيذانا بانتهاء العلاقة مع المحور الأول وتحولها فيما بعد إلى عداء مستحكم.
المصادر
1-مقابلة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان – محطة سي بي إس نيوز الأميركية في 19 مارس 2018.
2- مقابلة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان – مجلة “تايم” الأميركية في 5 ابريل 2018.
3- مقابلة مع ولي العهد السعودي الراحل محمد بن نايف مع صحيفة السياسة الكويتية في23 نوفمبر 2002.
4-الحساب الرسمي على تويتر للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية.
5- صفحة وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي د.عبداللطيف آل الشيخ على تويتر.
6- صحيفة القبس الكويتية 27 أغسطس 2020.
7- مجلة المجتمع 01 مارس 2015.
8- المركز الفلسطيني للإعلام 12 مايو 2020.
9- موقع شام تايمز – 10 مارس 2014 – مقابلة نائب المراقب (المرشد) العام لجماعة الإخوان المسلمين السورية محمد فاروق طيفور مع صحيفة الوطن الكويتية.
10- الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين السورية – بيان “براءة” نشر في 11 نوفمبر 2020.