عمران سلمان – 8 مارس 2019/
ما يدهشني في الصحافة العربية أن القراء يخلطون (أو هكذا تعودوا) ما بين وظيفة الكاتب الصحافي وبين السياسي. فهم يطالبون ويتوقعون من الكاتب أن يتخذ مواقف سياسية معينة، وإلا فإن ما يكتبه لا فائدة منه. وما يدهشني أكثر أن بعض الكتاب يستسلمون لإغراء السياسة بحيث تتحول الكتابة عندهم إلى نوع من النشاط السياسي.
الخلط الضار
الحقيقة أن وظيفة الكاتب الصحافي هي مساعدة القارئ على فهم الأحداث، سواء عبر التحليل أو الشرح أو تناول الموضوع من زوايا جديدة. والهدف هو توسيع زاوية النظر لدى القارئ ومده بالوسائل الضرورية لكي يتمكن هو نفسه من التحليل وفهم ما يجري من أحداث وبالتالي اتخاذ ما يراه مناسبا له من مواقف.
ليست وظيفة الكاتب الصحافي أن يتخذ مواقف سياسية مباشرة من هذه القضية أو تلك والتعبير عنها. فهذا من وظيفة السياسي وما يصدره من بيانات وتصريحات وتعليقات سياسية.من أهم صفات الكاتب الصحافي أن يكون “متخففا” من الناحية السياسية
وليست وظيفة الكاتب الصحافي حشد القراء وراء موقف سياسي معين لمصلحة هذا الطرف أو ذاك، فهذه وظيفة “الهتّيفة” و”رجال العلاقات العامة” لدى الحكومات أو الأحزاب السياسية.
المؤسف أن الخلط أصبح كبيرا إلى درجة أن الإنسان لم يعد يستطيع أن يميز بسهولة الفواصل بين الاثنين. فبعض الكتاب أصبحوا يلعبون دور السياسي ويتماهون معه، وبعض السياسيين باتوا بدورهم أكثر تطلبا من الصحافة والكتاب الصحافيين.
فالخطب والبيانات أصبحت تجد طريقها إلى الكتابات الصحافية، ومواقف الدفاع عن هذا النظام أو الهجوم على ذلك النظام، أصبحت هي المحرك الأساسي للكتابة.
والسياسي من جهته تغول في صحافتنا كثيرا، حتى أصبح الأبرز حضورا، ومن دون مواربة، وبما يقتضيه ذلك الحضور من فجاجة ومن تلفيق للأشياء.
عماء الأيديولوجية
ليس معنى ذلك أن الكاتب الصحافي نفسه لا يجب أن تكون له هو أيضا مواقف سياسية. بالتأكيد، فهو في نهاية المطاف إنسان وله مواقف مما يجري حوله من أحداث. لكن لا يجب أن تطغى هذه المواقف على كتاباته بحيث تحوله من كاتب إلى سياسي أو طرف سياسي.
من أهم صفات الكاتب الصحافي من وجهة نظري أن يكون “متخففا” من الناحية السياسية. فكلما كان نصيبه من المواقف السياسية أقل، وكلما كانت انتماءاته السياسية غير منجزة، كلما تمكن من الكتابة بحرية أكبر وبصورة أكثر موضوعية.
من الصفات أيضا الروح النقدية. بمعنى أنه يجب أن يكشف التناقضات ويبرز المسكوت عنه في أية قضية يتناولها، وهذا يتطلب منه أن يغضب أكثر من جهة أحيانا.ليست وظيفة الكاتب الصحافي أن يتخذ مواقف سياسية مباشرة من هذه القضية أو تلك والتعبير عنها
أيضا من هذه الصفات أن لا يكون أيديولوجيا، ليس بالمعنى الفكري فقط، ولكن السياسي وبالمعنى العام أيضا. فالأيديولوجية قادرة بسهولة على أن تعمي الإنسان وتجعله غير قادر على التمييز.
لقد كنت في بعض سنوات عمري مؤدلجا. وأستطيع أن أرى اليوم بوضوح كيف يمكن للأيديولوجية أن تفسد ذائقة الإنسان وتجعله قارئا متبلدا وعديم الذكاء، كل همه هو البحث في المقالات أو الكتابات عما يؤيد وجهة نظره فيشعر بالنشوة والارتخاء، أو يعارضها فيستل سيفه للهجوم والانقضاض، معتقدا أنه بهذه الطريقة قد أدى واجبه وأسدى خدمته “للقضية”! ليكتشف بعد سنوات بأن الأمر ربما لم يكن على النحو الذي تصوره.
مصائد السوشيال ميديا
أخيرا ليس مقصودا من هذا المقال أن يتخذ صفة الوعظ أو تقديم النصح لأحد، ولكنها ملاحظة موضوعية لكثير مما يكتب في صحافتنا ومواقعنا الإخبارية العربية. والتي تحول بعضها في واقع الأمر إلى ساحة للمساجلات السياسية وامتدادا للمعارك بين الأنظمة والحكومات العربية أو غير العربية وخصومها.
في الوقت الذي أكثر ما يحتاج إليه الإنسان في عالمنا اليوم، هو الأدوات التي تمكنه من الإفلات من “المصائد” التي تنصبها بعض وسائل الإعلام، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، والقدرة على التمييز بين الغث والسمين. وهذه الخدمة هي التي يرجى من الكتاب الصحافيين تقديمها أو على الأقل بذل الجهد للقيام بها.