عمران سلمان – الحرة – 17 مايو 2019/
حتى الآن قد لا نكون بإزاء حرب أميركية إيرانية وشيكة في المنطقة، لكن الأمر قد يتطور في أية لحظة في هذا الاتجاه. وقرار إرسال حاملة الطائرات “يو أس أس أبراهام لينكولن” إلى منطقة الخليج ونشر مقاتلات بي 52 بعيدة المدى، وغيرها من الأسلحة الهجومية، ليس بغرض النزهة أو لمجرد زيادة الضغوط.
من الواضح أن ذلك، وغيره من التحركات العسكرية والدبلوماسية المختلفة، يندرج في إطار العنوان العريض للصراع الحالي في المنطقة، وهو الصراع الذي بات لأول مرة مفتوحا ومباشرا بين الولايات المتحدة وإيران.
نقطة توتر حرجة
بمعنى آخر فإن المعركة المؤجلة منذ فترة طويلة بين البلدين يبدو أنها تقترب حثيثا بصورة أو بأخرى. الصدام العسكري أحد أشكال هذه المعركة، لكنه ليس الشكل الوحيد. فالعقوبات وتشديد الحصار السياسي والدبلوماسي وإعادة ترتيب الاصطفافات الإقليمية والدولية، هو شكل آخر من هذه المعركة أيضا.الذين يعولون على الموقف الروسي أو الصيني أو على قدرة إيران على تفعيل ميليشياتها في المنطقة واهمون جدا
ولوضع هذا الصراع في إطار سياقه الطبيعي، من المهم التذكير بأن إيران كانت على الدوام مشكلة بالنسبة لصانع القرار الأميركي منذ الثورة الإسلامية عام 1978. فقد شهدت العلاقات بين البلدين مراحل من المد والجزر، لكنها كانت باستمرار نقطة توتر حرجة وقابلة للاشتعال في أي وقت. وحتى بعد التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015، لم تتراجع حدة هذه المخاوف. كانت إحدى وجهات النظر في واشنطن ترى أن الاتفاق يمكن أن يشكل بداية لمعالجة الملف بصورة تشجع إيران تدريجيا على العودة الطبيعية إلى المجتمع الدولي، وبما يسمح بتفكيك قضايا الخلاف بين البلدين تدريجيا.
لكن هذه وجهة نظر واحدة فحسب. ثمة وجهات نظر أميركية أخرى كانت تجد صعوبة في تغيير ما بات ثابتا في التفكير الاستراتيجي الأميركي من أن إيران ومنذ الثورة وحتى اليوم هي عدو للسياسة الأميركية ومصالح الولايات المتحدة القومية في المنطقة.
وثمة جهات نافذة في الكونغرس وفي الطبقة السياسية الأميركية، تتبنى هذا الرأي وتدافع عنه بضراوة.
وقد وجد هذا الاتجاه قوة دفع حاسمة مع مجيء إدارة الرئيس دونالد ترامب والطاقم المحيط به، ممن يرون في إيران شيطانا أكبر.
تغيير النظام أو إصلاحه
لهذه التطورات طبعا علاقة كبيرة بما يجري في المنطقة، سواء تعلق الأمر بإسرائيل أو الدعم الإيراني لحزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى، أو مخاوف حلفاء واشنطن في الخليج من تزايد النفوذ الإيراني، وتدخلاته المختلفة، لكن قرار تحويل الحرب الباردة بين المعسكرين إلى حرب ساخنة، هو قرار أميركي بامتياز. ويبدو أنه قد اتخذ بالفعل.
كان السؤال طوال الفترة الماضية في واشنطن فيما يخص إيران هو هل الهدف تغيير النظام أم إصلاحه؟ إجابات المسؤولين الأميركيين كانت على الدوام تشير إلى أن السياسة الرسمية هي إصلاح النظام ـ ربما لأن التغيير له تبعات قانونية وسياسية. لكن الوضع على الأرض كان يشير بصورة واضحة إلى أن السياسة الحالية وإن كانت تستهدف الضغط على إيران لتغيير سلوكها، فإن الاستراتيجية الأكبر هي من دون شك تسير في اتجاه تغيير النظام في نهاية المطاف.
والفرق بين السياسة والاستراتيجية هنا يمكن تلخيصه في كلمة واحدة. التدرج أو التدحرج.
تحويل إيران من دولة إلى أزمة
إن جوهر السياسة الأميركية الحالية تجاه إيران هو تغيير وضع وصورة إيران عبر تحويلها تدريجيا من الوضع الطبيعي لدولة، إلى مشروع أزمة قائم ومستمر. ويتم ذلك بزيادة العقوبات وتشديدها وإحكام طوق العزلة السياسية، وربما نشهد ضربات عسكرية محدودة ومتكررة لأهداف داخل إيران في حال أقدمت الأخيرة على أي عمل عسكري بصورة مباشرة أو غير مباشرة ضد المصالح الأميركية أو حلفائها.
الهدف النهائي هو تحويل إيران إلى نموذج مشابه لما كان عليه حال العراق قبيل حرب عام 2003. فالإنهاك الاقتصادي والسياسي المستمر والتهديدات بالعمل العسكري، يبقي إيران داخل الصندوق ويجعلها تتحول مع الوقت إلى ثمرة ناضجة يسهل قطفها.بعد أن تتحول إيران من دولة إلى أزمة، تكون الأمور قد وصلت إلى مرحلة اللاعودة
ثمة محاذير طبعا لمثل هذه السياسة، أهمها انتشار نطاق الصراع إلى أجزاء أخرى في المنطقة وربما تفجر أوضاع جديدة في أجزاء أخرى منها، لكن كل ذلك في حال حدوثه لن يفعل سوى تسريع الانتقال من سياسة إصلاح النظام إلى استراتيجية تغييره.
إن الذين يعولون على الموقف الروسي أو الصيني أو على قدرة إيران على تفعيل ميليشياتها في المنطقة واهمون جدا. فبعد أن تتحول إيران من دولة إلى أزمة، تكون الأمور قد وصلت إلى مرحلة اللاعودة. الشيء الوحيد الذي يستطيع القادة الإيرانيون ومن معهم فعله الآن وقبل فوات الأوان هو تعطيل حدوث ذلك، عبر مسارعتهم إلى الشروع في مسار التغيير أو على الأقل إرسال إشارة إلى وجود نية في هذا الاتجاه.