عمران سلمان – الحرة – 5 يوليو 2019/
يمكن القول إن صفقة القرن أو فرصة القرن أو أي من الأسماء التي أطلقت على ورشة البحرين الاقتصادية الخاصة بعملية السلام في الشرق الأوسط، قد أعادت القضية الفلسطينية من جديد إلى دائرة الضوء بعد أن بدا أنها قد انتقلت مؤقتا إلى الهامش بفعل الأزمات والحروب المتلاحقة في المنطقة.
قراءة خاطئة
وإعادة القضية الفلسطينية إلى الأضواء هذه المرة لا يتم بسبب مبادرات أو خطط سياسية مثل تلك التي عهدناها طوال الثلاثين عاما الماضية. ولكن في إطار مقاربة جديدة، اقتصادية في الدرجة الأولى. وهو أمر يبدو غير مألوف بالنظر إلى أن السياسة كانت دائما هي المظلة الأكبر للقضية الفلسطينية، ومنها تتفرع باقي المسائل.
فرغم ظروفهم الاقتصادية الصعبة والآخذة في التعقيد، لم يضع الفلسطينيون، أو على الأقل قيادتهم، مسألة تحسين الأوضاع الاقتصادية في صدارة جدول أعمالهم طوال العقود الماضية. بل ظلت مطالبهم الرئيسية نفسها وهي استعادة القدس الشرقية والعودة إلى حدود عام 1967 وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين وإقامة الدولة المستقلة. بمعنى آخر فإن الشق الاقتصادي، وإن كان حاضرا باستمرار، فإنه ليس في جوهر القضية.لا يمكن النجاح اقتصاديا من دون إصلاح سياسي
ولكن ما الذي جعل جاريد كوشنر وغيره من مهندسي صفقة القرن، يركزون جهدهم على الشق الاقتصادي ويسعون إلى تقديمه إلى الفلسطينيين والدول العربية باعتباره المدخل الأساس لحل القضية الفلسطينية؟
يبدو لي أن ثمة قراءة أميركية جديدة للمنطقة، مهدت لها سلسلة من العوامل، والتي ربما أقنعت الجانب الأميركي، عن طريق الخطأ، أن الاقتصاد هو مفتاح حل القضية الفلسطينية، وأن الفلسطينيين سوف يقبلون بأي شيء طالما ضمنوا حصولهم على أموال وموارد تؤمن لهم وضعا اقتصاديا مستقرا.
الصراع مع إيران
من هذه العوامل الجديدة، الصراع العربي ـ الإيراني (أو الصراع السني ـ الشيعي). فمنذ عام 2003، جرى تصوير هذا الصراع على أنه الصراع الرئيسي في المنطقة. وتحدث عدد من الزعماء عن “القوس الشيعي” وعن النفوذ الإيراني في العراق وفي سوريا وغيرها، فيما برز دور الجماعات الشيعية المسلحة في كل مكان. وزادت الأزمة السورية، ثم أزمة اليمن، من حدة الاستقطاب والعداء إلى درجات غير مسبوقة.
حتى أن العديد من الباحثين والمحللين في الغرب، باتوا يتعاملون مع ما يجري في المنطقة العربية كله من زاوية هذا الصراع. ولفترة لا بأس بها، بدا أن قضية العرب الأولى قد تحولت من الشأن الفلسطيني إلى الصراع مع إيران، وأن عدوهم “الرئيسي” لم يعد إسرائيل. بل أن إسرائيل نفسها أصبحت تتحدث بوصفها ضحية للنفوذ والهيمنة الإيرانية، مما خلق تحالفا موضوعيا ما بين بعض الدول العربية وإسرائيل في مواجهة إيران.
وبطبيعة الحال فإذا كان الأمر هو كذلك، من المنطقي أن يستنتج كثيرون في العالم، وبينهم السياسيون الأميركيون، أن ما يشغل أو يهم العرب ودولهم حاليا هو ليس القضية الفلسطينية، إنما مواجهة الخطر الإيراني. وبالتالي لن يمانع العرب في أي مقاربة لحل القضية الفلسطينية، حتى وأن كانت لا تروق للفلسطينيين أنفسهم.
الاقتصاد لا يحل كل شيء
العامل الآخر، هو الاعتقاد الخاطئ بأن الفقر وليس شيئا آخر هو الذي يغذي أو يؤجج العنف والتشدد في المنطقة. وإنه عبر تحسين المستوى الاقتصادي وتوفير فرص عمل لمئات آلاف الشباب في المنطقة، يمكن المباعدة بينهم وبين الشعارات الراديكالية والجنوح إلى التطرف.رغم ظروفهم الاقتصادية، لم يضع الفلسطينيون، مسألة تحسين الأوضاع الاقتصادية في صدارة جدول أعمالهم
لا شك بأن تأهيل المنطقة اقتصاديا من شأنه أن يجفف بعض منابع التطرف ويغير من المزاج العام لسكانها. ولكن الحقيقة الواضحة أنه لا يمكن النجاح اقتصاديا من دون إصلاح سياسي، فالاستبداد والظلم والفساد والاستئثار بالسلطة، كلها عوامل تجعل أي مشروع اقتصادي يفشل مهما توافرت له من عوامل النجاح.
ومثلما ينطبق ذلك على أية قضية أخرى، فهو ينطبق أيضا على القضية الفلسطينية. فلا يمكن حلها أو اختزالها في المسألة الاقتصادية. ومثلما أن تنمية المناطق الفلسطينية والتركيز على رفع مستوى معيشة سكانها أمر مطلوب، وهو توجه حكيم، فإنه ليس بديلا عن الحلول السياسية التي يجب أولا، أن تقنع الفلسطينيين بجدواها، وثانيا، يرى فيها غالبية الإسرائيليين أمرا يستطيعون قبوله والتعايش معه. بخلاف ذلك فإن الدول العربية حتى وإن وافقت على بعض الحلول، رغما عن إرادة الفلسطينيين، فإن مصيرها هو الفشل، كمصير الكثير من “الحلول” المطبقة في بلداننا.