عمران سلمان – الحرة – 28 يونيو 2019/
الكل يقول بأنه لا يريد حربا في المنطقة، ولكن لا أحد يعمل مع ذلك من أجل إحلال السلام. المسؤولون الإيرانيون والسعوديون والأميركيون، يغدون جيئة وذهابا في كل الاتجاهات، تسبقهم تصريحاتهم واستعداداتهم العسكرية، ومع ذلك فإن خلاصة كل تصريح هي أن الحرب تبقى الملاذ الأخير وأن الأولوية هي لحل النزاع بصورة سياسية أو دبلوماسية.
النار تحت الرماد
إن المتابع لما يجري في المنطقة، لا يمكنه أن يخطئ إدراك، أنه رغم الرماد المتناثر على سطح الأزمة في الخليج، فإن ثمة إحساس بوجود نار تضطرم تحته، وأن ما يحاول أن يخفيه الإسراف في الاعتماد على استخدام الألفاظ، هو مجرد حقيقة أن لا أحد يريد أن يبدأ الحرب أو يكون متسببا فيها بصورة مباشرة.
وهذا يعني باختصار أن عدم الرغبة في الحرب لا تعادل الرغبة في السلام. وإنما هي استكمالا للتحضير للحرب ولكن بطرق أخرى.الأيديولوجية تجعل الأزمات السياسية تبدو وكأنها قضايا وجودية
بخلاف ذلك، وبخلاف الأزمات الأخرى، حيث ثمة عجلة دبلوماسية وسياسية معروفة تنطلق عادة لمحاولة جمع طرفي النزاع إلى طاولة المفاوضات؛ إلا في الأزمة الحالية، فلا يبدو أن أحدا (من الأطراف نفسها على الأقل) يؤمن أو يرغب في الاستثمار في السلام.
طبعا هناك، على الجانبين، من لا يرى أية إمكانية لتحقيق السلام في ظل حالة الاستقطاب والعداء الشديدين السائدة حاليا. وهناك من يتوق إلى الحل العسكري الذي يعتبره كفيلا بحل هذا النزاع وكل نزاع. ولذلك يدفع هؤلاء في كل مناسبة الأمور إلى حافة الهاوية، سواء عبر الأقوال أو الأفعال، ومن دون اكتراث للنتائج والعواقب الوخيمة على الجميع.
الحروب لا تحل الأزمات
إن الشواهد التاريخية الكثيرة، ولا سيما في منطقتنا العربية، تظهر بأن الحروب، في الغالب الأعم، لا تحل أية أزمة في حقيقة الأمر. إنها قد تخضع طرفا لطرف آخر بعض الوقت، وربما يتم عبرها تحقيق بعض المكاسب الآنية، لكن بعد مضي مزيد من الوقت، يتبين أن الحروب تخلق ظروفا وواقعا أسوء من ذي قبل.
في المقابل قد يبدو طريق المفاوضات أنه تمييع لأزمة قائمة بالفعل أو يأتي بأقل مما يتوقعه طرفا النزاع من مكاسب، لكنه على المدى البعيد، يسمح لديناميكيات مجتمعية وإقليمية ودولية معينة بالعمل، وبما يحقق نتائج أنضج وأكثر رسوخا مع مرور الوقت. ولعل جزءا من الملفات المهمة التي لا تزال مفتوحة اليوم في عدد من البلدان العربية، وما يحيط بها من تعقيدات، إنما يعود إلى الطريقة العنيفة التي جرى التعامل بها مع الأزمات التي نجمت عنها والتي كان يمكن حلها بصورة مختلفة.
الأيديولوجية مرض العصر
في الحقيقة إن معظم الأزمات في العالم يمكن حلها عبر التفاوض، لكن ثمة أزمات تبدو مستعصية. وأحد أسباب ذلك الاستعصاء يعود إلى تحويلها إلى صراع أيديولوجي.
فالأيديولوجية تجعل الأزمات السياسية تبدو وكأنها قضايا وجودية، لا يمكن حلها إلا بإزالة أحد طرفي النزاع. وبالطبع هذه الإزالة لا تتم إلا عبر استخدام القوة.
والمؤسف أن الثقافة السائدة في الشرق الأوسط، تميل إلى تشجع تحويل نمط النزاعات المختلفة إلى قضايا يستحضر فيها الدين والقومية والعصبية والعرق ونظريات المؤامرة بكثافة.إن كان هناك من يعتقد واهما بأنه مستفيد من هذه الأزمة، فإن الخاسرون كثيرون
فحين يتم النظر إلى أي صراع سياسي بين دولتين، أو داخل الدولة الواحدة، باعتباره تجل لصراع بين محورين إقليميين أو دوليين أو أكثر، من الطبيعي أن يعجز الجميع عن إيجاد أي حل لهذا الصراع. بل من الطبيعي أن تصعب السيطرة عليه أو احتواءه، سواء بسبب كثرة الداخلين على خط هذا الصراع، أو بسبب الاتجاه إلى محاكمة النوايا والاعتقادات، وزرع الريبة والشك. وفي الأخير فإن ما بدأ صراعا سياسيا بين دول، يتحول إلى أشبه بصراع بين قبائل متناحرة.
التفكير خارج الصندوق
أعلم أنه سوف يكون من الصعوبة بمكان توقع أن تجد الأزمة الحالية في المنطقة حلها عبر الحوار والمفاوضات، ولأسباب كثيرة، ذكرت بعضها أعلاه، لكني أجد أن من المهم التفكير خارج الصندوق، وإجراء صياغة مفاهيمية جديدة لهذه الأزمة، والنظر لها بمنظار المصالح وليس العواطف أو العصبيات الدينية والقبلية. إن عملية كهذه من شأنها أن تقود إلى تفكيك الأسباب الحقيقية الكامنة وراءها ومعالجة كلا منها على حدة، بدلا من إعطائها الطابع الشمولي والقطعي الحالي.
والأهم أن تقرن مختلف الأطراف أقوالها بالأفعال وتكون مستعدة للاستثمار في السلام، بدلا من دق طبول الحرب أو ترك اشتعالها للصدفة، فالأمر الواضح أنه وإن كان هناك من يعتقد واهما بأنه مستفيد من هذه الأزمة، فإن الخاسرون كثيرون وأولهم شعوب المنطقة ودولها.