عمران سلمان – الحرة – 9 أغسطس 2019/
عيون الأتراك على النفط في سوريا، وليس مكافحة الإرهاب. هذه هي خلاصة الهدف الرئيسي من المنطقة الآمنة التي كانت تركيا تسعى لإقامتها في شمال شرق سوريا أو ما يعرف بمناطق شرقي نهر الفرات والتي تسيطر عليها حاليا وحدات حماية الشعب الكردية. لكن الحكومة التركية كما هو متوقع لا تأتي على ذكر النفط أبدا، وإنما تتحدث طويلا ودائما عن وجود المسلحين الأكراد في هذه المناطق وخطر “الإرهاب” على أمنها. وهي سعت وتسعى لتسويق هذا المنطق إقليميا ودوليا، لعل أحدهم يشتريه. لكن الجميع يبدون عازفين عن شراء بضاعة مغشوشة.
المحادثات الأميركية ـ التركية
يمكن القول بأن المحادثات التي جرت خلال ثلاثة أيام في أنقرة بين وفدين عسكريين من الجيشين التركي والأميركي بشأن إقامة منطقة آمنة في شمال شرق سوريا، قد انتهت إلى حل وسط، يحفظ ماء وجه الحكومة التركية ويبدد مخاوفها الأمنية المزعومة، وفي الوقت نفسه يمنعها من الانفراد بالسيطرة والتصرف بتلك المنطقة ومهاجمة القوات الكردية.لم يثبت أن أكراد سوريا قد انخرطوا في أي نشاط مسلح معاد لتركيا
تركيا كانت تريد منطقة بعمق 32 كيلومتر وبطول 450 كيلومتر من بداية شرقي نهر الفرات وحتى الحدود العراقية، على أن تكون السلطة المطلقة لها في هذه المنطقة.
ورغم أن واشنطن لم ترفض من حيث المبدأ فكرة المنطقة الآمنة، لكنها تعي الأهداف التركية جيدا، لذلك فإنها سعت خلال المحادثات إلى تحقيق هدفين، الأول تقليل عمق تلك المنطقة بصورة كبيرة، وثانيا أن يتم الانتشار التركي بالتنسيق مع القوات الأميركية عبر إنشاء مركز عمليات مشتركة لتنسيق وإدارة إنشاء المنطقة الآمنة. بمعنى آخر أنه من الممكن إنشاء منطقة آمنة ولكن خالية من السلاح ومن السيطرة التركية الكاملة في الوقت نفسه.
نفط المناطق الكردية
إن حدود المنطقة الآمنة التي سعت إليها تركيا، قد صممت بطريقة تشمل السيطرة على أهم المناطق المنتجة للنفط في سوريا، وهي بالمناسبة أقدمها أيضا. ولم يكن هذا مجرد صدفة.
وبحسب تقديرات بعض الخبراء فإن 75 في المئة من حقوق النفط السورية تقع في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد وهي “منطقة حقول الحسكة (بما فيها رميلان والسويدية وكراتشوك)، ومنطقة الشدادي أو حقول الجبسة (بما فيها جبسة وغونة وكبيبة وتشرين)”. وهاتين المنطقتين تنتجان النفط الثقيل، بينما منطقة الفرات ـ حقول دير الزور ـ تنتج النفط الخفيف.
ويضيف هؤلاء أنه مع تراجع إنتاج النفط الخفيف من المناطق الأخرى في سوريا خلال عشر سنوات، فإن إنتاج النفط الثقيل الموجود في شمال شرق سوريا سوف يشكل حوالي 80 في المئة من إنتاج النفط الكلي.
هذه الحقائق النفطية تعرفها الحكومة التركية بطبيعة الحال، ولذلك فإنها تعتبر الوصول إلى تلك المنطقة والسيطرة عليها وسرقة نفطها مسألة حيوية بالنسبة للدولة التركية.
أسطوانة مكافحة الإرهاب
ثمة أهداف أخرى بطبيعة الحال لتركيا من وراء إنشاء منطقة آمنة في شمال شرق سوريا، فالرئيس رجب طيب أردوغان أردوغان يمكنه أن يقدمها بمثابة انتصار له في الداخل التركي. فهي إضافة إلى منافعها الاقتصادية، يمكنه أن يعتبرها وسيلة لحل مشكلة اللاجئين السوريين المتفاقمة عبر نقل الجزء الأكبر منهم إليها. وأخيرا يمكنه أن يظهر في عيون الأتراك بمثابة بطل قومي، لا يقل أهمية أو مكانة عن أتاتورك.75 في المئة من حقوق النفط السورية تقع في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد
أما موضوع مكافحة الإرهاب، الذي يتصدر الخطاب التركي، دون سواه، فهو الأضعف حقيقة بين أسباب إنشاء هذه المنطقة. فرغم الصراع التاريخي المسلح بين الأكراد (تحديدا أكراد تركيا) وأنقرة، فإنه لم يثبت أن أكراد سوريا قد انخرطوا في أي نشاط مسلح معاد لتركيا. فلم تشن عملية واحدة داخل تركيا انطلاقا من سوريا. على العكس من ذلك فإن الجيش التركي هو الذي غزا المناطق الكردية في عفرين وما جاورها وأعمل في أهلها قتلا وتهجيرا، وهو يواصل العمل على تغيير الطابع الديمغرافي لهذه المناطق.
بمعنى آخر فإنه لدى أكراد سوريا كل المبررات المشروعة لتنفيذ هجمات في الداخل التركي، ومع ذلك فإنهم لم يفعلوا ذلك. كل ما يطمحون إليه هو تأسيس إدارة ذاتية لحكم مناطقهم، وأن يتم إبعاد البلطجة التركية عن أراضيهم… والتي، أي هذه البلطجة، ليست في نهاية المطاف سوى احتلال دولة لأراضي دولة أخرى، مهما لبست من أقنعة أو اتخذت من أسماء مستعارة.