مواجهة الإخوان المسلمين هدف معارك عدن

عمران سلمان – الحرة – 23 أغسطس 2019/

يمكن القول إن الخاسر الأكبر مما وقع في عاصمة الجنوب العربي أو ما يعرف بجنوب اليمن، عدن (يوم السبت 10 أغسطس) ثم في أبين، ليس هو حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، فهذه الحكومة كانت في الأصل جثة هامدة منذ خروجه من صنعاء، وما جرى في الفترة الأخيرة هو ظهور بوادر تحللها وتفسخها فحسب، وإنما الخاسر الأكبر هو حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي تأسس في عام 1990 وضم إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين، زعامات قبلية واجتماعية وسلفية.

فهذا الحزب الذي تمكن من إقناع قوات التحالف العربي، وتحديدا السعودية، (رغم خلاف التحالف للإخوان المسلمين) بقدرته على مواجهة الحوثيين، صار في السنوات الماضية هو المهيمن على حكومة هادي، وكان يحاول أن يؤسس لنفسه وجودا تنظيميا وسياسيا وعسكريا في المشهد الجنوبي، رغم حالة العداء المستحكمة بينه وبين معظم الجنوبيين بسبب الحرب التي أعقبت الوحدة، كما سنأتي على ذكر ذلك.

تجربة الإخوان والزيدية

والواقع أن تجربة الإسلاميين، وخاصة في شقهم الإخواني والسلفي في اليمن غنية، ومتشعبة، وهي بحاجة إلى دراسة كاملة لا يتسع المجال هنا لعرضها، ولكن يمكن الإشارة إلى بعض التعقيدات التي تكتنفها، وخاصة العلاقات على المستوى الطائفي والسياسي. فاليمن من الناحية الطائفية ينقسم إلى قسمين رئيسيين. الزيدية (تنقسم بدورها إلى عدة فروع) هم في الأصل القبائل اليمنية القوية المتواجدة في المحافظات الشمالية المرتفعة مثل صعدة وعمران وصنعاء والمحويت وذمار وغيرها، ولهم وجود أقل في باقي المحافظات، والطائفة الثانية وهم السنة الشافعية ويتواجدون أساسا في السواحل والمناطق الحضرية مثل الحديدة وتعز، وإب والبيضاء وغيرها.تحمل المجلس الانتقالي الجنوبي على مضض وجود حزب الإصلاح في حكومة هادي

​​والزيدية، وهي فرقة من فرق الشيعة كانت تعتبر حتى وقت قريب، الأقرب إلى السنة (قبل صعود جماعة الحوثي)، وكانت مهيمنة لعقود طويلة على الحكم في صنعاء. وبسبب التقارب الشديد بين الزيدية والسنة لم تعرف اليمن المشكلة الطائفية، فالأساس هناك في الغالب هو قبلي ومناطقي وليس طائفي.

فحكام صنعاء (وآخرهم علي عبد الله صالح)، كانوا طوال التاريخ الحديث من الزيدية، إلا أنهم لم يكونوا يمثلون طائفتهم في المنصب. بل في الكثير من الأحيان كانوا يتماهون مع الأغلبية السنية في محيطهم المحلي وفي المنطقة، بما في ذلك العلاقة الوطيدة مع السعودية.

وكان من اللافت السهولة التي تمت بها عملية تحول بعض الزيدية إلى المذهب السني وخاصة مع انتشار أفكار الإخوان المسلمين في اليمن خلال الستينيات والسبعينيات، ثم السلفية الوهابية خلال التسعينيات. فالكثير من مؤسسي وقيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح (ذي الهوية السنية) هم من أصول زيدية، بما في ذلك أول رئيس للحزب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ومرشده الروحي الشيخ عبد المجيد الزنداني.

وكانت العلاقات بين الأحزاب السياسية طوال الفترة التي سبقت عام 2011، هي علاقات تقوم على أساس المصالح السياسية والانتماءات القبلية ولم يكن للطائفية أي أثر فيها.

لذلك خاض نظام علي عبدالله صالح ستة حروب للقضاء على الحوثيين، وكلاهما من الزيدية، في حين تراوحت العلاقة بين تجمع الإصلاح والمؤتمر الشعبي بقيادة صالح ما بين التحالف والمعارضة، ثم الافتراق بعد أحداث عام 2011. أما الصراع ما بين تجمع الإصلاح والحوثيين، فرغم تمظهراته وتعرجاته السياسية الكثيرة، وازدياد حدته أخيرا، إلا أن له جانب متعلق أيضا بمحاولات الإخوان والسلفيين المبكرة لاختراق معاقل الزيدية التقليدية في الشمال، والعمل على إنشاء مراكز علمية ودينية فيها (بلدة دماج مثلا على ذلك)، الأمر الذي كان ينظر إليه على أنه محاولة لتحويل اليمنيين الزيود إلى المذهب السني، وبالتالي القضاء على الزيدية نفسها.

وقد ساهم ذلك، إضافة إلى التهميش الذي عانت منه تلك المناطق وغيرها من مناطق اليمن طوال سنوات على يد الحكومة المركزية في صنعاء، إلى السهولة النسبية لصعود الحوثيين الذين لم يجدوا مشقة كبيرة في حشد القبائل والعائلات الزيدية من حولهم.

وكان لافتا أن سيطرة الحوثيين على محافظات الشمال، رافقها تدمير ممنهج لمراكز تجمع الإصلاح والسلفيين ومدارسهم الدينية ومنشآتهم، بعد أن تم ضرب المكون العسكري والقبلي للإصلاح في المعارك التي سبقت استيلاء الحوثيين على صنعاء.

الجنوب وعقدة “الإصلاح”

في الجنوب العربي كان الأمر مختلفا. فسكانه غالبيتهم العظمى من السنة الشافعية، وذلك أغرى حزب الإصلاح بالعمل على تأسيس قواعد له في بعض المحافظات. والواقع أنه حقق بعض النجاح في ذلك، فنفوذه في تعز، وهي البوابة الشمالية للجنوب، مكنته من مد نفوذه وتأثيره إلى عدد من المحافظات، وخاصة أبين وشبوة وأجزاء من حضرموت.

غير أن مشكلة هذا الحزب أنه يواجه كراهية شديدة في الجنوب العربي، تعود إلى فترة الحرب بين الشمال والجنوب عام 1994 والتي تلت الوحدة. ففي ذلك الوقت لعب حزب الإصلاح رأس الحربة في إخضاع الجنوبيين لحكم صنعاء، حيث شارك عسكريا في اجتياح الجنوب مع علي عبد الله صالح، ضمن تحالف شارك فيه الأفغان العرب بقيادة طارق الفضلي، كما أصدر فتاواه الشهيرة بتكفير أهل الجنوب العربي واستحلال دمائهم وأملاكهم.

لذلك يصعب على أي حركة جنوبية (مهما كان توجهها) أن تقبل بوجود الإخوان المسلمين على أراضيها. وقد تحمل المجلس الانتقالي الجنوبي على مضض وجود حزب الإصلاح في حكومة هادي المنتهية صلاحيتها، لكن تغوله وسعيه لتعويض خسارته في اليمن بالسيطرة على الجنوب، دفع المجلس الانتقالي إلى التحرك العسكري واجتثاث وجوده في عدن وأبين.

السعودية والإخوان

الواقع أن حكومات دول الخليج ورغم احتضانها الطويل لجماعة الإخوان المسلمين وفروعها في المنطقة، إلا أن العلاقة بين الجانبين لم تخلُ من الشكوك والريبة، وأسباب ذلك تعود في جانب منها إلى الطبيعة التنظيمية للإخوان وولائهم المطلق للتنظيم الأم. فالمعروف أن دول الخليج كانت قد استقبلت أعدادا كبيرة من الإخوان ممن هربوا من القمع والملاحقة في مصر وسوريا، إلا أنها لم تتمكن من تحييدهم أو جذبهم ناحيتها، وكانت تجربة الغزو العراقي للكويت ووقوف الإخوان المسلمين مع صدام، أول جرس إنذار يقرع في العواصم الخليجية، أما الجرس الأقوى فكان علاقتهم بتيارات ما عرف بـ”الصحوة الإسلامية” في المنطقة، ثم لاحقا دورهم في مرحلة “الربيع العربي”.سيطرة الحوثيين على محافظات الشمال رافقها تدمير ممنهج لمراكز تجمع الإصلاح والسلفيين

​​وقد بلغ الضيق السعودي خلال تلك السنوات من الإخوان المسلمين حد أن ولي العهد السعودي الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز كان قد حذر منهم، قبل أكثر من عقد، في حديث مشهور لصحيفة السياسة الكويتية (نوفمبر، 2002)، حين قال إن “الإخوان يسعون لانتزاع الحكم والقيادة”. وأضاف أنهم “سيسوا الإسلام لأهداف ذاتية والكثيرون منهم اعتمدوا نهجا يرتدي عباءة الدين لزعزعة الأمة وتفتيتها”. مشيرا إلى أن بلاده تحملت منهم الكثير، فهم حسب قوله “سبب المشاكل في عالمنا العربي وربما في عالمنا الإسلامي”.

ويروي الأمير نايف قصة حصلت مع غزو الكويت، قائلا: “عندما حصل غزو العراق للكويت جاءنا علماء كثيرون على رأسهم عبد الرحمن خليفة ومعهم الغنوشي ومعهم الترابي والزنداني ومعهم أربكان وآخرون أول ما وصلوا اجتمعوا بالملك وبولي العهد وقلنا لهم هل تقبلون بغزو دولة لدولة، هل الكويت تهدد العراق؟ قالوا: والله نحن أتينا فقط لنسمع ونأخذ الآراء، بعد ذلك وصلوا العراق ونفاجأ بهم يصدرون بيانا يؤيد الغزو العراقي للكويت. هل هذا ما يجب فعله، وهل هذا الموقف يرتضي به العقل؟ ما هو مبرر أن دولة تغزو دولة أخرى وتطرد شعبها من أرضه وبلده وتحاول قتل شرعيته؟”.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *