عمران سلمان – الحرة – 13 ديسمبر 2019/
رغم المكاسب السياسية والمجتمعية التي حققها حتى الآن كل من الحراكين المطلبيين في العراق ولبنان، وبتضحيات كبيرة في حالة البلد الأول، ورغم اقترابهما من فترة الشهرين، فإن ضبابية الشعارات وتداخلها، ما بين المطلبي والسياسي، من شأنها أن تجعل معركة الحراكين طويلة ومضنية ونتائجها غير واضحة أو مضمونة.
ضبابية سياسية
بالنسبة للشعارات المطلبية، لا يوجد خلاف (ظاهريا على الأقل)، فثمة إجماع على أحقيتها وعدالتها، ولا يكاد يختلف عليها، سواء من هم في الشارع أو من هم في الحكم، بما في ذلك ـ ويا للغرابة ـ المتهمون أنفسهم بالفساد والمحسوبية والتقصير…إلخ.
لكن الاختلاف يدب عند الحديث عن الجانب السياسي، حتى بين المنتمين للحراك نفسه. هنا تكثر التنظيرات وترتفع حدة التصريحات ويزداد اللغط العام. والسبب هو الضبابية التي تحيط بمطالب المتظاهرين في هذا الأمر.الحديث عن تغيير التركيبة السياسية لا يبدو واقعيا أو قابلا للتطبيق
فحتى الآن لا يوجد وضوح عندما يتعلق الأمر بشعار مثل تغيير النظام السياسي. فهل المقصود هو تغيير التركيبة السياسية في البلاد، أم تغيير الوجوه السياسية أم حل الأحزاب والجماعات السياسية وتشكيلها على أسس جديدة؟
وهل لدى هذا الحراك القدرة (أو حتى الرغبة الحقيقية) في تغيير النظام السياسي الحالي والإتيان ببديل له، وما هي الخطوات التي سوف تقود إلى ذلك؟
هذه أسئلة مشروعة، وهي بحاجة إلى إجابات مقنعة ونقاشات مجتمعية مستفيضة وليس مجرد إطلاق شعارات أو أحاديث للإعلام.
تغيير المجتمع!
إذا حاولنا تحليل شعار تغيير النظام السياسي، فإن أول ما يلفت النظر أن الحديث عن تغيير التركيبة السياسية مثلا، لا يبدو واقعيا أو قابلا للتطبيق. لأن هذه التركيبة تعكس إلى حد كبير تركيبة المجتمع نفسه، ولا سبيل إلى تغيير المجتمع. وطريقة تقاسم السلطة وتشكيلة الأحزاب السياسية هي نتاج للتفاهمات المكتوبة والضمنية بين المكونات المختلفة للمجتمعين العراقي واللبناني. وهذا هو البديل الذي استقر عليه الأمر، عوضا عن الذهاب إلى حروب ونزاعات أهلية لحسم مسألة السلطة.
بمعنى آخر، فإن التقسيم الحالي، رغم أنه قد يظلم بعض المكونات ويحابي أخرى، إلا أن التجارب المريرة السابقة، سواء الحرب الأهلية في لبنان أو تجربة نظام صدام حسين الاستبدادي في العراق، قد أوصلت الجميع (أو هكذا نظن) إلى القناعة بضرورة تقاسم السلطة والتعايش سلميا في إطار دولة واحدة.
قانون الانتخاب
هناك أيضا حديث عن مطالب بتغيير قوانين الانتخابات، كي تضمن تمثيلا أفضل للشرائح المختلفة من السكان، مقرونة بجهاز انتخابي نزيه ويتمتع بالمصداقية يمكنه الإشراف على عملية الانتخاب. وهذا أمر ضروري في حالة البلدين.
لكن المشكلة سوف تظل هي نفسها. فإن أي نظام انتخابي سيجري اختياره سينتج تمثيلا برلمانيا يقترب كثيرا أو قليلا من التركيبة السياسية الحالية. يمكن أن تتغير الوجوه هنا، لكن الوزن السياسي والتمثيل سوف يبقى كما هو، لأنه انعكاس مباشر للتركيبة السكانية.
هل سيكف المنتمون إلى الأحزاب عن الاستماع إلى قياداتهم؟ هل يتصرف النواب المتنخبون بعيدا عن الأحزاب السياسية وإملاءات القيادات فيها، هذا أمر يصعب التكهن به. لكن في إطار الثقافة السائدة من المستبعد حدوث ذلك. أو على الأقل لن يكون ذلك سهلا، خاصة في الحالات التي يكون فيها انتخاب النائب مرتبطا بالكتلة أو الحزب الذي ينتمي إليه.
إنجاز متواضع
يبقى تغيير الوجوه السياسية للطبقة المتنفذة، أمرا محتملا، سواء عبر تنازلها من تلقاء نفسها عن مواقعها أو تحرك المكونات التي تعبر عنها باتجاه الضغط لاختيار وجوه سياسية جديدة. لكن تغيير الوجوه السياسية لا يعني أيضا تغيير النظام السياسي، كما أنه ليست هناك ضمانات بأن القادمين الجدد، لن يسلكوا الطريق نفسه الذي سار عليه من سبقهم.يعول الرافضون للتغيير على عامل الوقت، على أمل أن يتعب المحتجون أو يصابوا بالإحباط
هناك بالطبع من يجادل بأن حدوث هذا الأمر (إذا تم) سوف يعد في حد ذاته انتصارا للحراك المطلبي، إذا أخذنا بعين الاعتبار الطريق الطويل الذي ينبغي أن تسلكه المجتمعات من أجل تحقيق الإصلاحات المنشودة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الطبقة السياسية الحالية في البلدين مسؤولة إلى حد كبير عن الوضع المتأزم الذي وصلت إليه الأمور، وهي مسؤولة جزئيا على الأقل، بسبب موقعها، عن حالات الفساد والتربح من المال العام.
من يكسب الرهان
هذا يقودنا إلى القول بأن التغيير السياسي الذي يطمح إليه المشاركون في الحراك المطلبي، رغم أهميته ومشروعيته، لا تبدو معالمه واضحة بما فيه الكفاية، وليست هناك آليات محددة لترجمته إلى واقع عملي.
ما يعول عليه المحتجون وكذلك مؤيدوهم هو استمرار التحركات الاحتجاجية، ريثما تتبلور حلول تكون مقبولة وعملية، فيما يعول الرافضون للتغيير أيضا على عامل الوقت، على أمل أن يتعب المحتجون أو يصابوا بالإحباط. لعبة الوقت هذه هي التي ستحدد قدرة الفريقين على التحمل والصمود إلى الأخير.
وفي هذه الأثناء سوف تنشط ماكينات التحذير من الانهيار الاقتصادي والتكلفة الباهظة التي يتكبدها الاقتصاد جراء استمرار التظاهرات وحالة الشلل في البلاد. وهي تحذيرات قد تكون محقة، لكنها لا تبدو مقنعة، بالنظر إلى التدهور العام وحالة التردي التي أدت إليها سياسات الأنظمة في كلا البلدين.