عمران سلمان – الحرة – 23 أكتوبر 2020/
تابعت بتأثر شديد القصة التي عرضتها قناة الحرة عن “الشيماء” وهي/هو إنسان أردني أراد أن يعيش حياته/حياتها بحرية وكيف ما أرادها. لكنهم عاملوه/ها مثل المريض الذي تتوجب معالجته أو المنبوذ الذي يتعين تخليص المجتمع من شره.
انعدام التحضر
ومع أنها ليست حالة فريدة في مجتمعاتنا العربية، فهناك بالتأكيد غيرها، وهناك أفراد يتعرضون باستمرار للتنمر والأذى بسبب ميولهم الجنسية. وهناك من يقدمون على الانتحار أو إيذاء أنفسهم للتخلص من هذه الضغوط المجتمعية الهائلة. لكن هذه الحالة أظهرت دليلا آخر على مدى القسوة والتخلف الذي تتميز به الدولة العربية، رغم كل الادعاءات الفارغة. هل يعقل أنها تضع إنسانا في مصحة عقلية لمجرد أنه أعلن عن ميول جنسية معينة، وذلك بدلا من توفير الحماية له أو لها؟
هذا أمر مفزع حقيقة. في أي قرن وفي أي عالم يعيش هؤلاء البشر؟
لا يوجد أي عذر للأردن في التصرف الذي اتخذه. لقد كانت فكرتي عن الأردن أنه دولة يشيع فيها التسامح وتحكمها قوانين وتشريعات متمدنة، ومتحضرة. لكن من الواضح أن معلوماتي خاطئة تماما، وأنه لا يختلف عن العديد من الدول العربية عندما يتعلق الأمر بالإنسان وحقوقه وحرياته.
تجريم التمييز
في أميركا يعتبر التمييز على أساس الجنس جريمة فيدرالية يعاقب عليها القانون. وفي أي مؤسسة أميركية، صغيرة كانت أم كبيرة، يخضع العاملون إلى دورات سنوية إجبارية بهدف تثقيفهم بشأن كيفية احترام والتعامل مع زملاءهم المختلفين عنهم في الجنس أو العرق أو اللون وما شابه. وأتصور أن الأمور في أوروبا ربما تكون أكثر صرامة في هذا المجال. فالهدف هو أولا، توفير الحماية الضرورية لهؤلاء ومعاقبة المتنمرين، والثاني هو رفع سوية ووعي الإنسان إلى مستوى يمكنه أن يرى فيه أن مثل هذه الاختلافات ليس لها علاقة بجوهر الإنسان الفرد، وبالطبع ليس لها علاقة بما يمكن أن يقدمه هذا الإنسان لمجتمعه أو يكشف عنه من إمكانيات ومواهب.
طبعا هنا في الغرب عموما فإن موضوع المثلية الجنسية لم يعد أمرا جديدا أو خاضعا للنقاش. وهو لم يعد مسألة تقبّل عام لهذه المسألة، فقد تجاوز ذلك إلى مستوى التشريعات والقوانين والأنظمة المختلفة. وأكثر من هذا بات جزءا من الثقافة العامة.
التعليم العلماني
وفي أميركا تظهر جميع الاستطلاعات، وخاصة في أوساط الجيل الجديد المتعلم من الشباب والشابات، أنه عندما يتعلق الأمر بالمثلية الجنسية أو زواج المثليين أو ما شابه، تبلغ نسبة القبول والتأييد نسبة ساحقة. وقد أجبر ذلك القطاعات التقليدية في الحزبين الديمقراطي والجمهوري مع الوقت على تغيير موقفهم من هذه القضية وتقبل هذا الأمر.
لكن من باب الإنصاف ينبغي أن نقول بأن الحزب الديمقراطي له قصب السبق في هذا المجال. وكان الرئيس السابق باراك أوباما تحديدا، وهو ليبرالي التوجه (وأنا كنت ولا أزال من أشد مؤيديه والمعجبين به) من أكثر الرؤساء الذين دعموا ووقفوا مع المثليين. وفي عهده وافقت المحكمة الأميركية العليا على دستورية زواج المثليين.
لماذا يتقبل معظم السكان وخاصة الشباب في الغرب بالذات هذه المسألة؟
هذا سؤال لا بد أن يخطر في البال. والإجابة عليه، أن النظام التعليمي العام في أميركا هو نظام علماني. بمعنى أن التلاميذ لا يتعرضون إلى أية إكراهات أو تأثيرات دينية أو أيديولوجية من أية جهة. بل أنه لا يسمح للمعلمين بإظهار ميولهم أو اعتقاداتهم الدينية أيا كانت.
في مثل هذا الوسط ينشأ التلاميذ ويتعاملون مع بعضهم البعض على أساس الفطرة الطبيعية السليمة للإنسان. وهذه الفطرة لا يمكنها أن تجعل الإنسان يميز بينه وبين أخيه الإنسان على أساس اللون أو الجنس أو الدين أو الخلفية الثقافية أو العرقية أو غيرها.
الفطرة السليمة تجعل الإنسان يتعامل مع الجميع بالمساواة. بل أنها تسمح وتشجع التلميذ على أن يطور ميلا طبيعيا للتعاطف والمساندة مع الفئات الأضعف في المجتمع. وهذا أمر طبيعي وأخلاقي.
تشويه الفطرة
في مجتمعاتنا العربية والإسلامية تُضعف السلطات الدينية والسياسية والمجتمعية الفطرة السليمة في الإنسان وتشوهها، من خلال الضخ الديني والأيديولوجي والعرفي وما شابه، بحيث تنزع من قلب الإنسان الرحمة والشعور بالمساواة تجاه الآخر وتزرع بدلا منها القسوة والهمجية والاستعداء. إنها تهبط بوعي الإنسان إلى أسفل درجات التطور البشري، بحيث يصبح مع الوقت صورة مصغرة عن المحيط الذي يعيش فيه.
وما هي هذه الصورة؟
هي صورة لإنسان يعيش كجزء من قطيع، ليست له أية ملامح محددة وليست له حرية اختيار أو تفكير أو اعتقاد خارج نطاق المحيط الذي يعيش في وسطه.
بل تجري مع الوقت برمجته بحيث يصبح مدافعا شرسا وبصورة غير واعية عن أفكار واعتقادات ونمط عيش المجموعة. بحيث أنه قد يلجأ إلى إطلاق أحكام أو القيام بأي عمل، مهما بلغت وحشيته وساديته إذا تعلق الأمر بحماية “البقرات المقدسة” للمجموعة. في هذا الجو تصبح المرأة ويصبح المثليون جنسيا (وأحيانا الأجانب الضعفاء) أهدافا مفضلة.
وإذا شعر إنسان ما بأن ثمة خطأ في كل ذلك أو تجرأ (وهذا أسوء) على انتقاده علنا، تنهال عليه لعنات المجموعة وسباب أفرادها وشتائمهم.
كلام حقيقي جدا.
للأسف لا يرى المسلمون أنفسهم في المرآة.