عمران سلمان – الحرة – 17 سبتمبر 2020/
في الوقت الذي تكافح فيه السعودية بصعوبة بالغة للتخلص من إرث الفكر الوهابي وسيطرة المؤسسة السلفية، تغوص قطر (سلفية/إخوانية) وتركيا (إخوانية) أكثر فأكثر في رعاية واحتضان الإسلام السياسي في المنطقة. بل وتخوضان من أجله الحروب وتتدخلان في النزاعات، وتحشدان ماكينة إعلامية هائلة، وذلك في مفارقة تبدو صادمة.
حكم المنطقة
لكن الصدمة لا تلبث أن تتبدد مع إدراك أن التحالف القطري التركي الإخواني لا يخفي هدفه وهو تقديم نفسه كنموذج لحكم المنطقة عبر الجماعات والأحزاب والحركات الإسلامية المختلفة، الإرهابية منها وغير الإرهابية.
وتقدم تركيا دعما علنيا لحركات تتراوح بين الإخوان المسلمين في مصر وسوريا و”حماس” وإخوان ليبيا والسودان وغيرهم، فيما تحتضن قطر العديد من أعضاء وقيادات هذه الجماعات، إضافة إلى تقديم الدعم والمقر للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (وهو هيئة غير رسمية يرتبط كثير من منسوبيها بالإخوان وجماعات الإسلام السياسي).
ثمة تفهم متزايد في العواصم الغربية لخطورة هذه الأيديولوجية والطموحات التي تحرك زعماءها على الأمن والسلم في الإقليم وخارجه
وكان لافتا استقبال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (22 أغسطس) لزعيم حركة “حماس” إسماعيل هنية ونائبه صالح العاروري في المكتب الرئاسي بقصر “وحيد الدين” بإسطنبول، في لقاء مغلق استغرق ساعة و15 دقيقة. وتحدثت أنباء عن أن الرئيس التركي منح خلال هذه الزيارة 12 من قيادات “حماس” جوازات ووثائق رسمية تركية.
وقد أعربت الخارجية الأميركية عن احتجاجها الشديد على هذا اللقاء، وذكّرت الأتراك بأن “حماس جماعة مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكلا المسؤولين الذين يستضيفهما الرئيس إردوغان هما إرهابيان عالميان تم تحديدهما بشكل خاص”، حسبما جاء على لسان المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية مورغان أورتاغوس. مشيرة إلى أن “هذه هي المرة الثانية التي يستقبل فيها الرئيس إردوغان قيادة “حماس” في تركيا هذا العام مع عقد الاجتماع الأول في 1 فبراير”.
تركيا لم تكترث لهذا الاحتجاج، مثلما لم تكترث قطر في السابق للضغوط الإقليمية والخارجية عليها لفك عرى الارتباط مع جماعة الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى القريبة منها والتي تجد في الأراضي القطرية ملاذا آمنا لها.
استراتيجية التمكين
يعرف دارسو التاريخ أن محمد بن عبد الوهاب عقد في عام 1744 تحالفا مع محمد بن سعود والذي عرف باتفاق الدرعية، وذلك على قاعدة “الدم بالدم والهدم بالهدم”، وجوهر الاتفاق يقوم على أن يبايع بن سعود الشيخ ويتبنى دعوته، وبالمقابل يضمن له هذا الأخير “وأنا أبشرك بالعز والتمكين والنصر المبين”.
شيء مشابه حدث بين قطر والمرشد الروحي لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي، الذي فيما يبدو قد أقنعها بأن تبني خطاب الإخوان المسلمين ومبايعتهم من شأنه أن يكسبها مكانة إقليمية ونفوذا في العالمين العربي والإسلامي.
فثمة مقاومة متعاظمة في المنطقة للتوجهات الإخوانية، وهو ما نراه واضحا في مصر والخليج وسوريا والسودان واليمن وغيرها
أما الرئيس التركي إردوغان فإن توجهاته في السنوات الأخيرة والتي بات واضحا أنها تهدف إلى استعادة صورة ما عن الخلافة العثمانية، فقد وجد هو الآخر في الإخوان المسلمين حصان طروادته، رغم أن موقف قيادة الإخوان منه في السابق (قبل عام 2011) كان يتسم بالشك بسبب عدم إعلانه منذ البداية معاداته وتبرؤه من النظام العلماني التركي.
بطبيعة الحال كان لإردوغان جدول أعمال خاص به، وهو تغيير المجتمع التركي بهدوء من دون الاصطدام بالمؤسسات العلمانية القوية، كي يتمكن تدريجيا من تقليم أظافرها واحتوائها ومن ثم فرض رؤيته التي لا تختلف في جوهرها عن رؤية الإخوان المسلمين، الأمر الذي نجح فيه.
رعاة الإسلام السياسي
والحال أننا أمام دولة (تركيا) تطمح إلى استعادة سيطرتها واستعمارها للمنطقة العربية، ودولة أخرى (قطر) تريد أن يكون لها دور إقليمي في منطقة الخليج والجزيرة العربية. الدولتان تحلمان بأن تبسطا سيادتهما على الفضاء العربي والإسلامي عبر نشر عقيدة الإخوان المسلمين ودعم الاتجاهات المتطرفة. وأن تكون هذه العقيدة هي الثقافة السائدة.
لحسن الحظ فإن الأمور لا تسير وفق ما تريده الدولتان. فثمة مقاومة متعاظمة في المنطقة للتوجهات الإخوانية، وهو ما نراه واضحا في مصر والخليج وسوريا والسودان واليمن وغيرها، وثمة تفهم متزايد في العواصم الغربية لخطورة هذه الأيديولوجية والطموحات التي تحرك زعماءها على الأمن والسلم في الإقليم وخارجه.
هذا يفسر حجم الشراسة التي يتصرف بها إردوغان في كل مكان، ابتداء من شرق المتوسط إلى ليبيا وحتى أفريقيا مرورا بسوريا والعراق، وهذا يفسر أيضا حجم الاستماتة التي يبديها الإعلامان التركي والقطري في الدفاع عن أيديولوجية الإخوان ورموزهم والهجوم على الدول التي اجتثت نفوذ الإخوان. الأمر الذي يدفعنا للقول بأنه رغم الانتكاسات والضغوط العديدة فإن الدوحة وأنقرة لم تتراجعا في سعيهما لتمثيل الإسلام السياسي في صيغته الإخوانية في المنطقة وإنهما ربطتا مصيرهما بالفعل بمصير هذا التيار، ومستعدتان للذهاب معه حتى إلى الجحيم!