صراع المحاور في المنطقة

عمران سلمان – الحرة – 22 سبتمبر 2020/

لا يمكن فهم الأحداث في المنطقة العربية اليوم أو التعامل معها، إلا من خلال استيعاب طبيعة الصراع الذي يدور بين ثلاثة محاور رئيسية، يسعى كل منها إلى الهيمنة على المنطقة وتشكيلها وفق نموذجه وقناعاته ومصالحه.

محور جديد

من بين هذه الثلاثة ثمة محوران تقليديان، أولهما الذي اصطلح على تسميته بمحور “الاعتدال” والمكون من السعودية والإمارات ومصر ودول عربية أخرى، والثاني هو المحور الذي اصطلح على تسميته بمحور “المقاومة” الذي تتزعمه إيران وسوريا والجماعات الإسلامية الشيعية والسنية التابعة لها. أما المحور الثالث، وهو جديد نسبيا، ويمكن تسميته بمحور “الإخوان” وهو الذي تقوده اليوم تركيا وقطر وجماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات القريبة منها.

ثمة تباينات سياسية واستراتيجية عميقة بين هذه المحاور، لكن بينها أيضا خطوط التقاء أو تقاطع في بعض الأزمات. فالخلاف الرئيسي بين محور “الاعتدال” ومحور “المقاومة” مثلا هو خلاف سياسي بالدرجة الأولى، ودافعه هو الزعامة في المنطقة. ورغم التباين الطائفي، بين مكونات المحورين، إلا أن ذلك لم يطغَ على جانبه السياسي. وتعتبر “القضية الفلسطينية” و”التحالف/أو العداء” مع الغرب، هما الميدانان المفضلان اللذان يمارس من خلالهما المحوران استراتيجيتهما.

خلاف واتفاق

في المقابل، فإن الخلاف الرئيسي بين محوري “الاعتدال” و”الإخوان” هو خلاف يدور بالأساس على تمثيل المسلمين السنة. وهو خلاف له منطلقات عقائدية بالطبع، وليس جديدا، وإن كان قد تفجر بعد عام 2011، مع صعود تنظيمات الإخوان المسلمين في مصر وسوريا وليبيا وغيرها من البلدان العربية. وهو لا يزال محتدما في بعض المناطق وبصورة أخف في مناطق أخرى.

هناك أيضا هجوم سياسي وإعلامي مكثف يستهدف دول محور “الاعتدال” وخاصة السعودية والإمارات ومصر

أما الخلاف الرئيسي بين محوري “المقاومة” و”الإخوان” فهو وإن اتخذ طابعا سياسيا في بعض الأحيان، إلا أنه خلاف طائفي بالدرجة الأولى. فالمحوران يشتركان في بعض الأهداف والمواقف السياسية (مثل القضية الفلسطينية) كما أنهما ينسقان في بعض الأزمات، كما هو الحال في العلاقات الإيرانية القطرية أو ما يجري في سوريا، ولكنهما يفترقان في جانب أساسي، وهو ميدان العمل.

فالإخوان لا يخفون استيائهم العميق مما يعتبرونه تمددا إيرانيا شيعيا في مناطق السنة، وتعتبر الأزمة السورية ميدانا حافلا بالمرارة في هذا المجال، إضافة إلى ما يجري في العراق منذ عام 2003.

حشود إعلامية

بطبيعة الحال يتمتع كل محور من هذه المحاور بإمكانيات اقتصادية وبشرية متفاوتة، لكنها في المجمل متقاربة، إذا أخذنا في عين الاعتبار عدد السكان وحجم الاقتصادات والموارد النفطية وغير النفطية المتوفرة لكل منها، أو تلك التي تستطيع توظيفها أو الاستفادة منها بطريقة من الطرق.

كما يوظف كل محور شبكة هائلة من وسائل الإعلام، التي تشمل الفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية التي إما تعبر صراحة أو ضمنا عن سياسات ومواقف كل محور، بطريقة لا يمكن أن تخطئها العين. وفي العموم من النادر اليوم العثور على وسيلة إعلام عربية ليست لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة (تمويلا ونفوذا) بأحد هذه المحاور. بل امتد الأمر أيضا إلى الجمعيات والاتحادات والمؤسسات الدينية والثقافية والمهنية وغيرها، حيث أصبحت تنحاز إلى محور دون غيره، تبعا لوجودها في هذا البلد أو ذاك، وتبعا لعلاقة أعضائها بهذه الدولة أو تلك وتبعا لمصادر التمويل التي تأتيها.

ثلاثة تصنيفات

يمكن القول إن بروز محور “الإخوان” قد عقّد المشهد فيما بتعلق بتعامل الولايات المتحدة والدول الغربية وإسرائيل مع أزمات المنطقة، وهي التي اعتادت على التعامل مع محوري “الاعتدال” و”المقاومة” في السابق. فقد أوجد الطارئ الجديد منطقة رمادية، بالنظر إلى علاقات الغرب التقليدية مع تركيا وقطر من ناحية، وسياساته الحذرة تجاه جماعة الإخوان المسلمين من ناحية أخرى، والعداء مع بعض التنظيمات الإسلامية المحسوبة على هذا المحور من ناحية ثالثة.

وعليه فقد بات التصنيف الأميركي والإسرائيلي، إذا جاز التعبير، تجاه هذه المحاور يتراوح بين محور حليف/صديق، ومحور منخفض العداء ومحور مرتفع العداء.

الإخوان لا يخفون استيائهم العميق مما يعتبرونه تمددا إيرانيا شيعيا في مناطق السنة، وتعتبر الأزمة السورية ميدانا حافلا بالمرارة في هذا المجال

لكن من دون شك تجد السياسة الخارجية الأميركية صعوبة في التكيف مع هذا الوضع الجديد. ولعل المحاولات الأميركية المبكرة، والإلحاح المتزايد لحل الخلاف بين قطر والسعودية والإمارات ومصر والبحرين، ينطلق من هذه الرؤية، كما أن التململ الأميركي من الانخراط في شؤون المنطقة، إنما يعكس في جانب كبير منه هذه التعقيدات، التي ترى الإدارة الأميركية عدم جدوى تكريس الاهتمام بحلها.

أما إسرائيل فيبدو أنها حزمت أمرها بالوقوف مع محور “الاعتدال” والتعامل معه بوصفه البديل الأفضل. كما يبدو أيضا أنها قررت الاستثمار الفعلي والطويل الأمد في هذا المحور.

لمن تكون الغلبة؟

لكن أكثر الأسئلة إثارة، هي معرفة من سوف تكون له الغلبة؟ أو بالأحرى ما هي أكثر السيناريوهات المرجحة؟ قد يكون من الصعب إعطاء إجابة في اتجاه واحد أو بشكل قاطع. لكن ما يمكن ملاحظته اليوم هو أن محور “الإخوان” يبدو في وضع هجومي بامتياز. فإضافة إلى ما يجري في ليبيا (وهي أصبحت ساحة مواجهة واختبار حقيقي)، هناك أيضا هجوم سياسي وإعلامي مكثف يستهدف دول محور “الاعتدال” وخاصة السعودية والإمارات ومصر. وهذا الهجوم يبدو منسقا بطريقة، تستهدف التحريض على حكومات هذه الدول وعزلها. وهناك من يشبّه ما يجري بأنه إعداد لموجة ربيع عربي ثانية.

أيضا هناك تحركات جانبية بين هذه المحاور في بعض خطوط التماس، بهدف خلق إزاحات فيما بينها، كما هو الحال مع تقارب الإمارات مع سوريا، وانفتاح مصر عليها، بهدف محاصرة النفوذ التركي، أو فتح القطريين خطوط اتصال مع بعض اليمنيين من المنتمين لجماعة الإصلاح المتحالفة مع السعودية ضد الحوثيين، أو اتفاق “محوري “الإخوان” و”المقاومة” على توجيه نيرانهما الإعلامية والسياسية على دول الخليج على خلفية التطبيع مع إسرائيل.

هذه التحركات، وإن لم تكن قادرة على تغيير المشهد العام كثيرا، فإنها تكشف عن اشتداد حدة المنافسة، التي قد تتطور في المستقبل القريب إلى أعمال تبدو أكثر وضوحا، بعد أن يخفت ضجيج وباء كورونا الذي فرض على ما يبدو هدنة إجبارية على الجميع.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *