بقلم/ عمران سلمان – 16 نوفمبر 2024/
استثمرت السعودية في السنوات الماضية الكثير من الجهد السياسي والدبلوماسي والإعلامي في مسألة إقامة الدولة الفلسطينية كحل للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي. ومؤخرا أنشأت لهذا الغرض تحالفا دوليا اسمته تحالف حل الدولتين، كان قد دعا له وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في سبتمبر الماضي، وعقد اجتماعا في الرياض في 30 أكتوبر 2024.
كما خصصت القمة العربية الإسلامية الأخيرة التي عقدت في السعودية (11 نوفمبر 2024) في معظمها لموضوع الدولة الفلسطينية وذهبت أبعد من ذلك بالدعوة إلى تجميد مشاركة إسرائيل بالأمم المتحدة، والعمل على حظر تصدير السلاح إلى إسرائيل!
وعلى الرغم من أن الدعوات والمواقف العربية المطالبة بإقامة الدولة الفلسطينية لم تتوقف منذ عقود، وهذا المطلب كان على الدوام جزءا من وثائق كل قمة او اجتماع عربي رسمي ومن التصريحات التي يدلي بها المسؤولون العرب عادة، مع ذلك يبدو أن السعودية قد اختصرت سياستها تجاه النزاع الفلسطيني الاسرائيلي في مسألة إقامة الدولة، كما يبدو أنها مستعدة لمقاومة جميع الضغوط الدولية والإقليمية وعدم التنازل عن هذا المطلب.
هناك من يرى بأن ما تفعله السعودية مرده الر غبة في الحفاظ على التوازن بين سعيها لإبرام اتفاق أمني وعسكري مهم مع الولايات المتحدة والذي قد يتضمن التطبيع مع إسرائيل وفي الوقت نفسه المحافظة على استقرارها الداخلي ومكانتها العربية والإسلامية خاصة بعد الحرب في غزة ولبنان والتصعيد الإيراني الاسرائيلي.
ووضع الشرط الملازم لأية عملية تطبيع مع إسرائيل بإقامة الدولة الفلسطينية يجعل الموقف السعودي متقدما في نظر الكثيرين على مواقف الدول العربية الأخرى التي عقدت اتفاقات سلام مع إسرائيل من دون أن تضع مثل هذا الشرط.
مع ذلك لا يبدو حتى الآن واضحا ما شكل وطبيعة الدولة الفلسطينية التي يجري الحديث عنها وكيف ستقام هذه الدولة وما هي الطريقة العملية لذلك. لا يوجد أي حديث بهذا الشأن لا في العواصم السعودية ولا العربية. معظم الحديث عام ولا يطرح أية قضايا محددة مثل الضمانات الأمنية وما إذا كانت هذه الدولة ستكون مسلحة وما هو مصير الفصائل الفلسطينية المسلحة وكيف يمكن إقناع إسرائيل بالموافقة على بحث هذه المسألة وخاصة بعد ما جرى في 7 اكتوبر والحرب في غزة، وما هو تصور الفلسطينيين أنفسهم لهذه الدولة.
الواقع أن الفلسطينيين سواء كسلطة وطنية أو قبل ذلك لم يستثمروا في مسألة الدولة الفلسطينية إلا الشيء النزير. فلم يسعوا لتشكيل مؤسساتهم الخاصة ولم يبنوا هياكل هذه الدولة بما في ذلك المؤسسات التشريعية والقضائية والتنفيذية الحقيقية والمعززة بالقانون والممارسات الديمقراطية. ولم يصرف أي جهد حقيقي لبناء مؤسسات المجتمع المدني مثل الاعلام والنقابات والجمعيات المختلفة والأحزاب السياسية. كل الجهود كانت موجهة لغرض واحد وهو إعداد المجتمع الفلسطيني سياسيا وإعلاميا وتعليميا وثقافيا ودينيا لحمل السلاح ومقاومة اسرائيل.
ولهذا من السهل على أي فصيل مسلح مثل حماس أن يقضي على السلطة الوطنية ويستولي على الحكم في المناطق الفلسطينية.
الواقع أن أي محاولة جادة لإقامة مثل هذه الدولة لابد أن تبدأ من إقامة حكم القانون وحصر السلاح في أيدي الأجهزة الأمنية وحظر أية مظاهر مسلحة بما في ذلك إنشاء جماعات او ميليشيات أو حمل السلاح سواء بشكل سري او علني.
الأمر الثاني هو إشاعة مظاهر الديمقراطية والحريات واحترام القانون وهي الأمور التي تحمي وتشجع على بناء المؤسسات التمثيلية وخلق سلطة سياسية حقيقية ومسؤولة قادرة على اتخاذ قرارات واقناع الدول الأخرى باحترامها والتعامل معها بصورة جدية.
الأمر الآخر هو تغيير مناهج التعليم والثقافة والخطاب العام كي يتناسب مع أهداف إقامة هذه الدولة وليس مناهضتها كما هو جار اليوم.
سيقال بأن هذا غير ممكن بوجود الاحتلال الاسرائيلي وسعيه لتدمير أي وجود مؤسساتي فلسطيني!
وهذا كلام قد يكون صحيحا ولكنه حق يراد به باطل. لماذا لا ننظر إلى تجربة إسرائيل نفسها. لقد بنى الاسرائيليون دولتهم ومؤسساتهم في ظل الوجود البريطاني وفي ظل التهديد الفلسطيني والعربي الذي يفوقهم عددا وفي ظل دول مجاورة تريد القضاء عليهم وخاضت حروب ضدهم. وفي ظل عزلة خانقة في المنطقة. مع ذلك لم يتركوا الأعذار تتحدث نيابة عنهم!
أعتقد أن ظروف الفلسطينيين في هذا الشأن هي أفضل ألف مرة من ظروف الإسرائيليين في بداية تأسيس الدولة. والمشكلة ليست في هذا ولكن في تحديد الأولوية والاختيار ما بين الدولة والعمل المسلح. إذا كان الفلسطينيون يريدون إقامة دولة لهم إلى جانب إسرائيل فعليهم التخلي عن السلاح والمقاومة والتركيز على بناء هذه الدولة. خلاف ذلك يعني أنهم لم يصلوا بعد إلى مثل هذه القناعة، ولذلك لن تفلح الجهود السعودية والعربية مهما بالغت في تحقيق أي شيء.