بقلم/ عمران سلمان – 6 نوفمبر 2024/
خسارة نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس المدوية للانتخابات أمام الرئيس الأسبق دونالد ترامب ربما كانت حدثا غير مرغوب بالنسبة للكثيرين، وصاحب هذا المقال بينهم، لكنها لم تكن مفاجئة تماما، إلا لأولئك الذين فضلوا استبدال التفكير بالتمني على رؤية الوقائع على الأرض.
أهم هذه الوقائع هو أن هاريس لم تظهر في أي يوم من الأيام قدرات شخصية عامة مميزة تؤهلها لإقناع الناخبين بالتصويت لها في سباق انتخابي عام (تمهيديات الحزب الديمقراطي نموذجا).
كما أنه لم يكن لديها أي رصيد يستحق الذكر تحت قيادة الرئيس الحالي جو بايدن، بما في ذلك قضية الهجرة غير الشرعية التي اسندت لها، ناهيك عن برنامج اقتصادي جذاب لمعالجة التضخم والمشاكل التي رافقته.
وخلال الأربع سنوات الماضية لم تتمكن من بناء رصيد سياسي أو شعبي يجعلها تخوض انتخابات رئاسية ناجحة. وللأمانة ربما يتعين علينا أن نذكر أن بايدن نفسه ربما لم يتح لها مثل هذه الفرصة ولا سيما أنه كان يكافح من أجل إنقاذ نفسه وكان في خضم حملة إعادة انتخاب قاسية بالنظر إلى سنه وحجم التحديات التي واجهها الاقتصاد الأميركي والسياسة الخارجية. وربما هي نفسها لم تفكر في هذا الأمر أصلا.
ومع اضطرار بايدن للانسحاب من السباق، وجدت هاريس نفسها بصورة مفاجئة في وسط دائرة الضوء ومطلوب منها إنقاذ الحزب الديمقراطي عبر الترشح للرئاسة وذلك قبل أربعة أشهر فقط من موعد الانتخابات.
وكان الرصيد الوحيد لهاريس هو أنها مرشحة الحزب الديمقراطي فقط وهذا هو الذي جعل غالبية الديمقراطيين يصطفون خلفها منعا لحدوث أي انشقاقات أو خلافات داخلية يمكن أن يستفيد منها ترامب.
خلاف ذلك كانت هناك العديد من الخيارات الأخرى التي طرحت في ذلك الوقت وكان يمكن أن تشكل بدائل معقولة.
ولم تتمكن هاريس حتى من استغلال المشاكل القانونية الكثيرة التي رافقت مسيرة المرشح الجمهوري في الفترة الماضية بما في ذلك المحاكمات والاتهامات الجنائية الموجهة له وكذلك سجله الشعبوي وخطاباته الاستفزازية والمنفرة، من أجل أن ترسم لها صورة مغايرة تقنع الناخبين بأنها بديل أنسب لقيادة البلاد.
وبهذا المعنى يمكن القول إن هاريس قد لا تتحمل وحدها مسؤولية خسارة الانتخابات الرئاسية وكذلك خسارة مجلس الشيوخ الأميركي الذي سبطر عليه الحزب الجمهوري، إضافة إلى مجلس النواب، ولكن الحزب الديمقراطي هو الذي يتحمل المسؤولية الأكبر.
فمسارعة قيادة الحزب إلى اختيار نائبة الرئيس للترشح بدلا من بايدن، رغم تواضع مؤهلاتها، كان واضحا أنه جاء بصورة ارتجالية واستهدف الطريق الأسهل، كي لا يمر الحزب عبر سلسلة من الإجراءات التنظيمية المعقدة لإعادة توزيع المندوبين للمؤتمر الحزبي العام وفضل اختيار هاريس باعتبارها موجودة بالفعل على القائمة مع الرئيس وبالتالي فإن المندوبين الذين صوتوا لبايدن قد صوتوا لها أيضا.
لكن هذا الاستعجال والاستسهال قد كلف الحزب الديمقراطي خسارة الرئاسة وكذلك الكونغرس، وهي خسارة سوف يعاني منها الحزب لسنوات طويلة قادمة.
يمكن الحديث بالطبع عن أسباب أخرى كثيرة قد تفسر خسارة الحزب الديمقراطي للانتخابات مثل اتجاه الحزب في السنوات الأخيرة كثيرا ناحية اليسار وابتعاده أيضا عن الفئات العاملة التي لا تحمل مؤهلا جامعيا، وهي الفئات التي شكلت تاريخيا خزانا انتخابيا للديمقراطيين وباتت أعداد كبيرة منها تصوت اليوم لمرشحي الحزب الجمهوري وتحديدا لترامب، بالإضافة إلى المبالغة في الاعتماد على القضايا الاجتماعية.
وهناك طائفة واسعة من الأسباب الأخرى، ولكن تظل شخصية المرشح الرئاسي والصفات والمهارات التي يتمتع بها، وقدرته على الإقناع والكاريزما، هي مركز الثقل في الحملة الانتخابية. وهذه جميعها أمور لم تجد للأسف لها مكانا عند كامالا هاريس.