بقلم/ عمران سلمان – 3 سبتمبر 2024/
تسعى حركة حماس بكل ما تستطيع من قوة إلى تحويل الضفة الغربية إلى نموذج قطاع غزة عبر استنفار خلاياها ودعوة الفصائل الفلسطينية الأخرى إلى زيادة الهجمات المسلحة والدخول في المواجهة مع القوات الإسرائيلية.
وكان رئيس حماس في الخارج خالد مشعل قد سبق أن وجه دعوة إلى عناصر حماس في الضفة الغربية لاستئناف العمليات الانتحارية التي تخلت عنها الحركة تقريبا في عام 2007 بعد سنوات من الهجمات الدامية داخل إسرائيل.
والسؤال هو لماذا تريد حماس أن تتسبب في دمار الضفة بعد أن تسببت في دمار غزة؟
الإجابة تكمن في عقيدة حماس.
بالنسة للحركة فإن جميع الفلسطينيين هم مشروع “استشهاد” يمكن التضحية بهم إذا اقتضى الأمر في سبيل الإبقاء على جذوة الصراع والنزاع مستمرة بين اليهود والمسلمين.
حماس ليست معنية بصنع مستقبل للفلسطينيين ولكنها معنية بمنع اسرائيل من الاستقرار وممارسة دورها كدولة طبيعية في المنطقة.
بهذا المعنى لن تترك حماس والجماعات الموالية لها أو القريبة منها العمل المسلح وسوف تسعى دائما وأبدا إلى الإبقاء على التوتر والنزاع
وهذا ليس أمرا جديدا.
فقد وصل البريطانيون في نهاية فترة انتدابهم على المنطقة إلى نتيجة مفادها أنه في الوقت الذي كان اليهود يريدون إقامة دولة لهم في جزء من فلسطين عام 48، فقد كان هم قادة العرب والمسلمين هو منع اليهود من إقامة هذه الدولة ولم يكونوا يفكرون في إقامة دولة خاصة بهم.
بمعنى آخر أخذ العرب المسلمون الذين كانوا يعيشون في فلسطين على عاتقهم تخريب سعي اليهود لإقامة دولتهم بكل ثمن، حتى وإن تطلب الأمر أن يضحوا بحقهم أنفسهم في إقامة دولتهم.
والواقع أن هذا الهدف لم يقتصر على السكان العرب في فلسطين وإنما كانت هذه العقلية مسيطرة على حكام الدول العربية أيضا في ذلك الوقت، وهذا هو الذي دفعهم إلى شن حرب خاسرة عام 1948 بهدف القضاء على إسرائيل.
وهذا ما يحدث اليوم أيضا بالنسبة لغزة وحركة حماس التي شنت هجومها الإرهابي على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر، وفي ذهنها نفس تلك الأهداف.
فحماس لم تكن مشغولة أو مهمومة خلال السنوات الماضية بإعمار غزة وجعلها منطقة مزدهرة اقتصاديا وعمرانيا، بل كان كل همها هو تحويلها إلى منصة لمهاجمة إسرائيل وإبقاء الاسرائيليين غارقين في صراع وجودي مسلح لا نهاية له.
الواقع أن الأمر لايقتصر على حماس وحدها. فالسلطة الفلسطينية تصرفت على نحو مشابه في فترة من الفترات.
والخلفية الايديولوجية وكذلك المصلحية لحماس وللكثير من الفلسطينيين الذين يرون أن الهدف من وجودهم يتلخص في محاربة إسرائيل وإدامة الصراع ريثما تتوفر ظروف مناسبة لإشراك دول عربية وإسلامية فيه، تكمن هذه الخلفية في الدين الإسلامي، الذي يوفر مظلة واسعة لمحاربة اليهود ومناصبتهم العداء، بل وتحريم الخضوع لحكمهم أو السماح لهم بالاستقرار في أرض يعتبرها المسلمون وقفا دينيا لهم.
هذه هي الجذور الأعمق للصراع، ومن يتصور أن الحل يكمن في إقامة دولتين، إسرائيل والدولة الفلسطينية، هو واهم على أقل تقدير وغير مدرك لطبيعة الصراع وثقافة المنطقة على أبعد تقدير.
لم يكن هم قادة الفلسطينيين في أي وقت من الأوقات هو إقامة الدولة. وحتى السلطة الفلسطينية التي جاءت بفضل اتفاقات أوسلو نظر إليها من جانب العديد من الفلسطينيين بوصفها فرصة لإعداد العدة من أجل الانقضاض على إسرائيل.
ولذلك لم تستثمر هذه السلطة أي جهد في إعداد الفلسطينيين من أجل إقامة دولتهم عبر إنشاء المؤسسات المختلفة، ولم تغير من مناهج التعليم والخطاب الديني والسياسي لإقامة دولة تتعايش بسلام مع إسرائيل.
بل أن حركة فتح التي يفترض أنها الجهة التي توصلت إلى اتفاق أوسلو مع إسرائيل لاتزال تحتفظ بفصيل مسلح وهو كتائب الأقصى!
أكثر من ذلك يتودد الكثير من مسؤوليها اليوم إلى حركة حماس ويعتبرونها رمزا للنضال الفلسطيني!
بمعنى آخر فإن سعي حماس إلى عسكرة الضفة الغربية وتحويلها إلى شيء يشبه قطاع غزة يندرج في سياق فلسطيني أوسع يرى في الصراع مع إسرائيل هو الأساس وأن الحل يكمن في “إما نحن أو هم”.
للاسف هذا هو المنطق التي يحرك معظم الفلسطينيين اليوم، والسؤال هو كيف سوف تتصرف إسرائيل إزاء ذلك!