بقلم/ عمران سلمان – 15 يوليو 2024/
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (11 يوليو 2024) خلال قمة الناتو المنعقدة في واشنطن، أنه كلّف وزير خارجيته هاكان فيدان بالاجتماع مع الرئيس السوري بشار الأسد للبدء في استعادة العلاقات مع سورية.
هذا الإعلان هو تتويج عملي لتصريحات أدلى بها أردوغان نفسه في وقت سابق والتي أشار فيها بوضوح إلى أن بلاده في طريقها لتطبيع العلاقات مع دمشق وأنه ربما يلتقي الرئيس السوري في وقت قريب.
السؤال بطبيعة الحال هو لماذا تغيرت السياسة التركية على هذا النحو وهي التي كانت الأكثر تشددا في الملف السوري ويكاد يكون الخلاف ما بين البلدين أشبه بخصومة شخصية؟
الإجابة ببساطة هي أن السيناريو التركي في سورية قد فشل تماما وتداعياته أصبحت مكلفة لأنقرة نفسها قبل غيرها.
ما هو هذا السيناريو؟
منذ بدايات التمرد (الثورة) في سورية عام 2011 بدأت الحكومة التركية تبلور استراتيجية للتعامل مع الأزمة السورية وكان في صلب هذه الاستراتيجية أنها وجدت فرصة بدت كما لو أنها هبطت من السماء فجأة وهي أن النظام السوري بدأ يتخلخل وربما كان في طريقه إلى السقوط، وأنه بات ممكنا الحديث عن إقامة دولة للتيار الإسلامي وتحديدا جماعة الاخوان المسلمين والمجموعات المتحالفة معها.
وللمساعدة في إنجاح هذا السيناريو سعت انقرة بدأب وثبات لاضعاف قبضة النظام السوري العسكرية عبر تقديم الدعم للجماعات المسلحة وفتح الباب على مصراعيه لعبور الآلاف من المسلحين القادمين من جميع بقاع الأرض إلى سورية من جهة وفي الوقت نفسه إحكام العزلة السياسية والدبلوماسية على دمشق. وقد نجحت هذه السياسة في السنوات الاولى من التمرد حيث أصبحت الجماعات الاسلامية تسيطر على مساحات واسعة من البلاد. وفي مرحلة من المراحل كادت أن تنجح في إسقاط النظام. لكن التدخل الروسي العسكري الحاسم وكذلك تفطن الولايات المتحدة وعدم انزلاقها إلى المستنقع السوري قد قلبا جميع الحسابات التركية، وبدت كفة الميزان تميل تدريجيا لصالح الحكومة السورية. وبحلول عام 2018 كانت الجماعات المسلحة الإسلامية قد هزمت تقريبا وتم دحرها، باستثناء المعقل الأخير لها في شمال غرب سورية.
ولحفظ ماء الوجه اضطرت الحكومة التركية للاكتفاء بإقامة شريط داخل الأراضي السورية قريب من الحدود وتم تسليمه إلى الفصائل التابعة لتركيا بهدف مواجهة القوات الكردية.
والواقع أن هناك ثلاث نتائج على الأقل أفرزها السيناريو التركي في سورية والذ ي أدى فشله إلى عواقب وخيمة بالنسبة لأنقرة.
الأول هوالتهديد الكردي المسلح، هذا التهديد الذي تشكله قوات سورية الديمقراطية (قسد) والتي تسيطر على أجزاء من شمال شرق سورية، بما في ذلك بعض المناطق المحاذية للحدود السورية التركية.
وهذه القوات المدعومة من الولايات المتحدة عسكريا وسياسيا حاولت السلطات التركية إضعافها والقضاء عليها، لكنها فشلت ومن غير المرجح أن تتمكن من إنهاء وجودها في ظل عدم سيطرة القوات السورية على كافة أراضي البلاد.
الثاني، هو حالة الفوضى التي تعيشها المناطق التي تسيطر عليها جبهة النصرة في إدلب ووصولا إلى الحدود التركية، وكذلك فشل الفصائل الموالية لتركيا في إدارة المناطق التي تسيطر عليها وتحولت إلى ميليشيات وعصابات تمتهن السرقة وجباية الأموال من المواطنين.
هذا الواقع الذي كانت الحكومة التركية قد اعتبرته ذات يوم مكسبا لها أصبح عاملا مهددا للاستقرار والأمن في المنطقة. واستمرار هذا الوضع يمكنه أن يهدد سلامة الأراضي التركية نفسها، مع مرور الوقت.
الأمر الثالث، بالطبع هو ملف اللاجئين السوريين والذين شبههم أردوغان ذات يوم بأنهم مثل “المهاجرين” وشبه مستضيفيهم الأتراك بأنهم مثل “الأنصار” في محاكاة لهجرة المسلمين الأوائل من مكة إلى المدينة.
هذا الملف المتدحرج والملغوم بطبيعته أصبح هاجسا مؤرقا لحكومة حزب العدالة والتنمية وعامل استنزاف لها، فضلا عن أنه عامل مزعزع للاستقرار السياسي والمجتمعي في تركيا. فتوطينهم يخلق مشكلة بالنسبة للبلاد ككل ولا يمكن لزعيم سياسي أو حكومة أن تجرأ على فعل ذلك، وإبقاءهم ضمن الوضع الحالي بات أيضا يطرح تساؤلات بشأن المستقبل ومن هو مستعد لدفع الكلفة السياسية على الأقل.
وكذلك من غير الممكن تصديرهم إلى أوروبا كمهاجرين غير شرعيين.
أما إعادتهم إلى سورية فلا يمكن أن تتم من دون موافقة والتنسيق مع الحكومة السورية، وكذلك يرفض اللاجئون ومعهم المنظمات الدولية العودة بحجة عدم وجود الظروف الملائمة أمنيا لسلامتهم في سورية.
والمفارقة أن السياسة التركية كانت حتى الآن هي من أكبر عوامل عدم الاستقرار في سورية، وبالتالي فإنه فلا يمكن لأنقرة أن تعيد اللاجئين السوريين إلى ديارهم من دون أن تغير هي نفسها سياستها في سورية!
لهذه الأسباب جاء التغير التركي وأصبح الرئيس أردوغان يتحدث اليوم عن ضرورة التطبيع مع دمشق وعن عزمه إنهاء العمليات الأمنية والعسكرية في سورية والعراق. والمقصود بذلك هو تسليم الحكومة السورية ملف معالجة الوضع الأمني على الحدود سواء في إدلب أو تجاه الأكراد.