بقلم/ عمران سلمان – 28 يونيو 2024/
تركيز رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو الشديد واصراره الذي لا يلين على هدف إنهاء حكم حركة حماس في قطاع غزة والقضاء على قدراتها العسكرية هو أمر يثير الإعجاب حقيقة.
فرغم الضغوطات الهائلة التي تتعرض لها إسرائيل لحرفها عن هذا الهدف بالذات، أي القضاء على حماس، تبدو الحكومة الاسرائيلية مصممة على عدم الحيد عنه.
وحتى الجدل بشأن ما إذا كانت حماس فكرة أو منظمة، وما إذا كان يمكن القضاء عليها أم لا، يبدوا أنه يستهدف بالذات وقف الحرب والاكتفاء بما تحقق والسماح لحماس بالنجاة كي تعيد تنظيم صفوفها من جديد.
الواقع أنه عندما يتعلق الأمر بحماس لا توجد خيارات أمام إسرائيل سوى العمل على إنهاء حكمها وتدميرها كمنظمة أرهابية، سواء استغرق الأمر شهرا أو سنة أو عقدا من الزمان.
وهذا بالضبط ما فعلته الولايات المتحدة والتحالف الدولي في التعامل مع تنظيم داعش وقبله تنظيم القاعدة.
لنا أن نتخيل لو أن الإدارة الأميركية وحكومات الغرب استمعت للأصوات التي تتحدث عن داعش بوصفها فكرة يستحيل القضاء عليها وبالتالي يتعين وقف العمل العسكري في مواجهتها، ما الذي كان سوف يحصل؟
كان تنظيم داعش استمر حتى اليوم يعيث فسادا وإرهابا وبطشا في سورية والعراق ولبنان وفي المنطقة كلها، وربما العالم أيضا.
الواقع أن جميع المواصفات الخاصة بتنظيم داعش تنطبق على حركة حماس. كما أن الأهداف النهائية للتنظيمين واحدة وحتى الوسائل فهي تختلف فقط في الدرجة وليس في النوع.
ولذلك ليس مفهوما المنطق الذي يطالب إسرائيل بعدم الذهاب إلى نهاية الشوط في هذه الحرب التي تسببت حماس نفسها في اندلاعها.
وخلال 17 عاما تقريبا من حكمها لقطاع غزة لم تترك حماس فرصة أو تزرع شكوكا حول طبيعتها ووسائلها الإرهابية. فقد استخدمت العمليات الإنتحارية ضد الاسرائيليين وأساليب القتل والبطش والترويع ضد معارضيها من الفلسطينيين. كما مارست الخداع والتضليل حيث أعطت الانطباع بانها مهتمة بالسلطة والحكم وتفضل الهدوء على الحرب، كي تفاجىء العالم كله بهجوم 7 اكتوبر 2023 الذي كشف حجم البشاعة والوضاعة والإرهاب الذي تخبأه حماس ومسلحيها ومناصريها للإسرائيليين وللبشرية عموما.
إن القضاء على حماس كتنظيم عسكري وجهاز سلطوي يحكم غزة لا يزيل عن إسرائيل فحسب تهديدا عسكريا، وإنما يوجه ضربة قوية لمحور الشر والإرهاب الذي تتزعمه إيران.
فحماس هنا هي مخلب قط متقدم لهذا المحور، وهي من بين أهم أدوات استثماره، والقضاء على الحركة سوف يحرمه كثيرا من القدرة على المناورة ويكشف أجندته الحقيقية التي تتخفى خلف القضية الفلسطينية والأقصى وما شابه.
هل سيكون ذلك سهلا؟ بالطبع كلا. فحماس، وهي حركة شمولية إسلاموية، استفادت من الظروف المحيطة بها (رغبة الإسرائيليين في فك الارتباط مع غزة وإرساء الهدوء، ورغبة المصريين في وجود قناة للتأثير في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية) كما استفادت من علاقتها مع التنظيم الأم جماعة الإخوان المسلمين وداعميه في قطر وتركيا، واستفادت أيضا من الضعف والتهلهل الذي أصاب السلطة الفلسطينية في رام الله، كي تؤسس واقعا جديدا في قطاع غزة يقوم على السيطرة الأيديولوجية الشاملة، وحيث لا يوجد أي أمل لسكان القطاع في الحصول على أية خدمات مهما كانت بسيطة من دون القبول بحكم حماس أو التعاون معها أو الانضمام إلى أجهزتها ومؤسساتها المختلفة.
ومع الوقت أصبح من الصعب التفريق ما بين أجهزة ومؤسسات حماس نفسها وبين الأجهزة والمؤسسات الخدمية والطبية والتعليمة والتجارية الخاصة بإدارة قطاع غزة. فالتداخل بين الاثنين كبير إلى درجة أنه يصعب معرفة من ينتمي إلى الحركة ويدعمها ومن هو غير ذلك.
لهذا تبدو الحرب التي تشنها إسرائيل ضد حماس صعبة ومعقدة بصورة غير مسبوقة. فمسلحو حماس منتشرون في داخل الانفاق وخارجها والمدنيون منهم يختبؤون بين السكان وهم أيضا يديرون المؤسسات المختلفة، واستهدافهم يعني استهداف المدنيين أو المؤسسات المدنية.
هل هذا يعني أنه يتعين على إسرائيل التوقف عن ملاحقة مسلحي حماس، بسبب الخشية من تأثر أو إصابة المدنيين( الذين يتعين في جميع الأحوال توفير الحماية لهم )؟
بالطبع كلا، ولكنه يعني أن الوضع في غزة معقد بصورة كبيرة، كما يعني أن الوقت عامل مهم في هذا الجهد، حيث سيستغرق الأمر وقتا أطول بكثير من أجل تفكيك والقضاء على هياكل حماس العسكرية والسياسية والخدمية وإعادة التنظيم سنوات إلى الوراء. والأمل الوحيد لنجاح هذا الجهد هو أن تتمع إسرائيل بالنفس الطويل ولا تصاب باليأس أو الاحباط.