الدرس الأميركي في العراق   

عمران سلمان – 10 أبريل 2024/

في حديث لموقع “العربي الجديد” (9 أبريل 2024) اتهم رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي، الولايات المتحدة بما وصفه “تدمير العراق” عبر”احتلاله”، وبطريقة تعاملها مع إسقاط نظام صدّام حسين، والقرارات التي اتخذتها بحقّ المؤسّسات الحكومية، وبينها “حلّ الجيش العراقي واجتثاث حزب البعث، بالإضافة إلى ترسيخ مبادئ الطائفية السياسية والمحاصصة الحزبية”.

 وأضاف علاوي أنه كان ضد الحرب التي شنتها الولايات المتحدة لإسقاط النظام، موضحا “كنا نُصرّ في حركة الوفاق الوطني أن يكون تغيير نظام صدّام حسين أو إطاحته من الداخل..”.

بالطبع مثل هذا التصريح يبدو غريبا، وخاصة من شخصية عراقية لها وزنها مثل أياد علاوي، وهو الذي لم يكن ليرى العراق مرة أخرى لولا الحرب التي شنتها الولايات المتحدة ضد النظام، وكان عضوا في مجلس الحكم العراقي الذي أسسته قوات التحالف، كما تسلم رئاسة الحكومة في عام 2004 وتزعم القائمة العراقية التي  شاركت في انتخابات مجلس النواب وحققت نتائج جيدة.

بعبارة أخرى فإن علاوي كان أحد المشاركين البارزين في تشكيل النظام الذي أعقب سقوط صدام.

لذلك فإن انتقاده للولايات المتحدة يبدو أمرا غير مفهوم، وقد كان هو نفسه في صفوف المعارضة ومن المحسوبين على الغرب وقتها  ومن أبرز المشاركين في مؤتمر لندن للمعارضة العراقية عام 2002، وهو المؤتمر الذي عقد برعاية بريطانية أميركية وقبيل الحرب التي أطاحت بنظام صدام!

وهو وغيره من زعماء ونشطاء المعارضة العراقية لم يتركوا وسيلة أو منبرا إلا ودعوا من خلاله الولايات المتحدة للتدخل، لأنهم يعرفون بأنه من دون ذلك لا مجال لتغيير الحكم.

أما كلامه عن تفضيل إطاحة النظام من الداخل فهو يعرف قبل غيره أن ذلك مجرد أضغاث أحلام وأوهام لا قيمة لها في الواقع.

أقول إنه من الغرابة أن يصدر مثل هذا الكلام بالذات عن السياسيين العراقيين الذين وجدوا لهم مكانا تحت الضوء بفضل ما قامت به الولايات المتحدة تحديدا، ولو صدر مثل هذا عن الأحزاب أو الجماعات الطائفية مثلا والتي لديها أجندتها وعقيدتها المعروفة لكان مفهوما!

أما قصة “تدمير” العراق، فالواقع أن العراق كان مدمرا بالفعل بفضل سياسات صدام حسين ومغامراته، والولايات المتحدة لم تخترع الطائفية في العراق ولم تخترع التنوع الديني والقومي والمذهبي. وفكرة المحاصصة الطائفية هي واقع عراقي محض وليست اختراعا أميركيا، لأن البديل عن ذلك هو سيطرة طائفة معينة أو قومية معينة على الآخرين وهي نفس فكرة نظام البعث البائد.  

والمؤسف أن بعض العراقيين لا يزالون يحنون إلى هذا الواقع ويرون فيه منطقة الراحة التي تناسبهم، غير منتبهين إلى أنهم إنما يعيدون إنتاج نفس الأنظمة الاستبدادية والقمعية التي كانوا يشتكون منها.

الحقيقة هي أن كل ما فعلته الولايات المتحدة هو أنها منحت العراقيين فرصة تاريخية لبناء بلدهم على أسس جديدة، بما في ذلك حل الجيش العراقي، الذي  كان جيشا للنظام، يسيطر عليه البعثيون ولا يستبعد تمرده وانقلابه.

أما اجتثاث البعث فقد كان سياسة الهدف منها هو منع هؤلاء من إعادة تنظيم أنفسهم وتهديد التجربة الجديدة، بالضبط كما تم تجريم النازيين مثلا في ألمانيا. 

وقد كان لدى العراقيين فرصة ذهبية لربط بلدهم بالولايات المتحدة والعالم المتحضر.

لكن من الواضح أن العراقيين، حالهم في ذلك حال معظم شعوب المنطقة، لم يكونوا جاهزين لاغتنام هذه الفرصة ولم يكونوا جاهزين لإقامة تجارب ديمقراطية تتجاوز الواقع الطائفي والديني والعشائري.

فلا توجد ثقافة ديمقراطية في المنطقة ولا توجد شعوب قادرة على إدارة نفسها بنفسها. والمواطنون في هذه الدول هم أولا وأخيرا تحت سيطرة رجال الدين أو الزعماء الطائفيين أو العشائريين. لذلك فإن أي انتخابات لن تخرج عن دائرة هؤلاء.

 بهذا المعنى يمكن القول إن إدارة بوش ربما ارتكبت بالفعل خطأ جسيما بإطاحة نظام صدام حسين. لقد تصورت الإدارة أنها تستطيع أن تفعل في العراق ما فعلته من قبل في دول أخرى مثل اليابان أو كوريا الجنوبية أو ألمانيا، حيث تم تغيير الثقافة السياسية وإرساء أنظمة ديمقراطية ودول مدنية حديثة واقتصاد متقدم قائم على الانتاج ومرتبط بالاقتصاد العالمي.

لم يدر في خلد مسؤولي الإدارة الذين كان يسيطر عليهم الحماس والأحلام الوردية، بأن العراق ليس هو اليابان أو ألمانيا، وأنه يشبه باقي جبرانه وهو متخم بالدين والطائفية والعشائرية والمناطقية وما شابه.

لحسن الحظ أن الولايات المتحدة تعلمت أخيرا الدرس ولم تكرر الخطأ الفادح في سورية أو غيرها من الدول الشرق أوسطية.  

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.