بقلم/ عمران سلمان – 16 مارس 2024/
رغم وجود اختراقات هنا وهناك لمحور الشر والإرهاب (إيران وميليشياتها وقطر والإخوان المسلمين) إلا أن رد فعل معظم الحكومات العربية تجاه الحرب بين إسرائيل وحماس، حافظ على قدر لا بأس به من العقلانية والاتزان، مع التمييز بين معاناة الفلسطينيين من سكان قطاع غزة، وهي معاناة مهولة وغير مسبوقة، وبين مصير مسلحي حماس.
وباستثناء الأردن مثلا واليمن وكذلك بعض الساحات التي سيطر عليها الإسلاميون، حيث تماهت الشعارات المؤيدة للفلسطينيين بتلك المؤيدة لحماس وإرهابييها فإن معظم البلدان العربية كانت واعية تماما ولم تنخرط في لعبة التصعيد والتشجيع على الحرب.
وكان واضحا أن العواصم العربية عموما، وهذا هو الأمر الطبيعي، قد أبدت تعاطفها مع معاناة الفلسطينيين ووقوفها إلى جانبهم وضغطت من أجل وصول المساعدات ومن أجل وقف المعارك. لكنها لم تذهب إلى حد تبني رواية حماس للصراع والدفاع عن الحركة في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية.
ولهذا لم تشهد الدول العربية أي استجابة للدعوات التي أطلقها قادة حماس وتلك التي أطلقها زعماء الجماعات الإسلامية بما في ذلك اتحاد علماء المسلمين، الذراع الدعوي للإخوان والذي يتخذ من قطر مقرا ومأوى له، من أجل الخروج إلى الشوارع والمشاركة في القتال.
الواقع أن معظم المسؤولين العرب وخلال لقاءاتهم بنظرائهم الغربيين يؤكدون دائما أنهم لن يحزنوا إذا تمكنت إسرائيل من القضاء على حكم حماس في غزة أو أنهت وجودها العسكري.
بل أنهم يتمنون بالفعل أن تنجح إسرائيل في مسعاها وأن تقطع دابر الحركة، لكنهم في العلن لا يستطيعون المجاهرة بذلك ولا يملكون سوى مسايرة العامة درءا للمشاكل والإحراج.
والحقيقة أن وجود حركة مثل حماس وذراعها العسكري يخلقان مشاكل كبيرة للحكومات العربية، وخروجها من هذه الحرب سليمة نسبيا سوف يعني انتصار محور الشر والإرهاب وانتصار النموذج الميليشياوي والأيديولوجي المظلم الذي تمثله حماس.
هذا يعني أن الجماعات المسلحة والميليشيات في البلدان العربية سوف تتلقى دفعة معنوية وسياسية كبيرة، فضلا عن اكتسابها للشرعية، الأمر الذي سوف يجعل من الصعوبة البالغة المطالبة بحل هذه الميليشيات أو تثبيت سيطرة الدولة في هذه البلدان.
وإذا جادل أحد بأن حماس أو الجهاد الإسلامي أو غيرها من الفصائل المسلحة لها طابعها الخاص ومبرراتها كونها “تقاوم” إسرائيل مثلا، بينما لا يوجد مثل هذا الوضع في الدول العربية، فسوف ترد هذه الميليشيات عليه بأن وجودها ضروري لحماية الأمة وحماية المقدسات والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية ضد إسرائيل وضد الغرب و… الخ.
ففي لبنان يتذرع حزب الله مثلا لحماية وجوده العسكري واحتفاظه بالسلاح بإسرائيل التي يقول إنها لا تزال تهدد لبنان وتحتل جزءا من أراضيه!
وفي العراق تتذرع الميليشيات المسلحة لتبرير استمرار وجودها بتنظيم داعش، وداعش يتذرع لتبرير وجوده بالنفوذ الإيراني وتدخله في الشأن العراقي، وإيران تتذرع بسياستها الخارجية الداعمة للميليشيات بسبب وجود “الشيطان الأكبر” أميركا والغرب وهكذا.. كل جهة لن تعدم سببا أو حجة لتبرير وجودها.
والواقع أن وجود الميليشيات والتنظيمات المسلحة هو في نهاية الأمر عامل هدم للدولة إذ هو يتناقض مع وجودها نفسه ويتصادم معه. وحتى في الحالة الفلسطينية، فإن وجود حماس والفصائل المسلحة الأخرى قد أضعف السلطة الوطنية ونال من شرعية وجودها، وعاجلا أو آجلا سوف يحدث التصادم وتجد السلطة نفسها مضطرة لاتخاذ إجراءات صارمة من أجل الدفاع عن وجودها أو تتمكن تلك الفصائل من هزيمتها وسحقها.
إن من المثير حقا هو رؤية كيف أن البعض في المنطقة وخارجها لا يرى كيف دمرت الميليشيات والجماعات المسلحة مجتمعات الشرق الأوسط وأفقرت أهلها وشردتهم في بقاع الأرض.
وما تسببت فيه حركة حماس من دمار لغزة وسكانها ليس الوحيد أو الفريد من نوعه بالطبع. فقد تدمرت سورية من قبل وتشرد أهلها وقتل من قتل بسبب نفس هذه الجماعات المسلحة. وحدث الشيء نفسه تقريبا في لبنان والعراق واليمن والصومال وفي ليبيا ويحدث اليوم أيضا في السودان، حيث هاجر الملايين ونزح أمثالهم جراء المعارك الدائرة بين ميليشيات الرد السريع والجيش السوداني.
ولذلك فإن تأييد حركة حماس أو الوقوف إلى جانبها أو تبرير ما قامت به في 7 أكتوبر ضد سكان جنوب إسرائيل يظل أمرا غريبا، ومن الصعب تصديقه.
وإذا كان مثل هذا التبرير مفهوم من جانب أولئك الذين يقفون من بعيد حيث يمولون ويدعمون هذه الميليشيات لأغراض وأهداف سياسية ومصلحية، ولا يهمهم مصير السكان المدنيين، فإنه من غير المفهوم أن يدافع عنها المتضررون من أفعالها وسياساتها، سواء تحت دعاوى المقاومة أو الثورة أو غير ذلك من شعارات.
في الواقع المقاومة الحقيقية هي تلك التي ترفع من سوية البشر وتلك التي تعزز من حظوظهم في الحياة وتحسن من مستواهم المعيشي والاقتصادي وتجعل منهم بشرا أفضل يعيشون في مجتمعات مزدهرة وأمنة ومستقرة.
لكن ما نراه هو العكس تماما، حيث يتحول المدافعون عن هذه الجماعات إلى شتامين وسبابين، في حين يسير السكان المدنيون الذي يجعلهم حظهم العاثر تحت سيطرتها من نكبة إلى أخرى. فالقتل والاضطهاد والجوع والتشرد وانعدام الأمل في أي مستقبل، هي من بين النتائج المضمونة والمؤكدة في جميع المجتمعات الموبوءة بالميليشيات والمسلحين.
ومن أسف أن مناعة مجتمعاتنا لا تزال ضعيفة جدا في مواجهة هذه الأوبئة.