لماذا لا تنبت الديمقراطية في البيئة العربية؟

بقلم/ عمران سلمان – موقع 963 – 6 مارس 2024/

من الواضح أن  غالبية المحاولات لتأسيس تجارب ديمقراطية حديثة (ضمن المواصفات المتعارف عليها عالميا) في البلدان العربية قد فشلت، لأسباب عديدة لعل أبرزها هو عدم جاهزية مجتمعات المنطقة لهذا النوع من الحكم.

ومعظم النماذج “الديمقراطية” القائمة اليوم يمكن اعتبارها نوع من المشاركة الشعبية الناجمة عن أشكال متفاوتة من الانتخابات التي تسمح بها السلطات الحاكمة وكذلك الجماعات المشاركة فيها، كليا أو جزئيا.

لكن في أي من هذه النماذج يصعب توقع وجود حل لمعضلة “السلطة” وتداولها وكذلك يصعب إيجاد فصل واضح بين السلطات، كما يصعب تبيان أي أثر ملموس لحكم القانون، أما الحقوق والحريات الفردية والعامة فهي تأتي في آخر سلم اهتمامات هذه المجتمعات وكذلك السلطات الحاكمة فيها.  

باختصار يمكن القول إن معظم نماذج الحكم القائمة حاليا في البلدان العربية هي، بصورة أكثر أو أقل، انعكاس لوعي الناس واعتقاداتهم، فضلا عن المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي السائد في هذه الدول. وهي وضعية كما يتبدى لا تساعد على إقامة تجارب ديمقراطية جدية.  

مع ذلك فإن فشل تأسيس تجارب ديمقراطية في المنطقة لا يعني أن هذه المجتمعات لا يمكنها أن تتطور في هذا الاتجاه يوما ما، ولا يجب أن يكون ذلك باعثا على اليأس من إمكانية حدوث ذلك.

هو يعني ببساطة أنه يتعين علينا أن نفهم ونستوعب مجتمعاتنا بشكل صحيح وواقعي وأن لا نقع فريسة للمستبدين الصغار والكبار الذين يريدون أن يتركز معظم نشاط وتفكير الناس في جانب بعينه من الشأن السياسي الذي يمكنهم من الوصول إلى السلطة أو البقاء فيها، كما هو الحال مع أحزاب المعارضة والناشطين السياسيين.

وبدلا من ذلك يتعين على أولئك الذين يؤمنون بالديمقراطية أن يوسعوا من زاوية النظر لديهم. فبدلا من التركيز المستمر على الانتخابات وعلى الوضع السياسي وحده، أن يمدوا نظرهم إلى جبهتين:

الأولى، مواجهة الاستبداد.

والمقصود بالاستبداد هنا ليس فقط الاستبداد السياسي وإنما الاستبداد في كافة تمظهراته وأشكاله المختلفة في المجتمع. فهو من الممكن أن يكون سياسي وممكن أن يكون ديني أو مجتمعي وما إلى ذلك.

الواقع أن الاستبداد السياسي يظل الأهون شرا إذا قورن مثلا بالاستبداد الديني أو الثقافي. ففي حين هناك اتفاق شبه كامل تقريبا على مساوىء الاستبداد السياسي، وهناك إرث عالمي من الأفكار والوسائل والاستراتيجيات المختلفة في كيفية مواجهته، فإن الاستبداد الديني يظل في الغالب بعيدا عن النقد، فضلا عن المواجهة.

والاستبداد الديني قد لا يكون موجها بالضرورة فقط ضد المخالفين أو الذين لا يعتقدون بصحة الدين، ولكنه قد يكون موجه أيضا ضد أتباع الأديان الأخرى، وحتى ضد أولئك من داخل الدين الذين يختلفون مع المذهب الرسمي أو السائد.

لا يمكن أن تتأسس تجربة ديمقراطية في بيئة دينية أو يسيطر الدين على مجالها العام، بحيث يكون هو المرجعية للقوانين والتشريعات المختلفة.

لذلك فإن إخراج الدين من الحيز العام و جعله مسألة شخصية، هو أمر يصب في خدمة قضية الديمقراطية مباشرة.

كذلك من شأن تفكيك البنية الاستبدادية للثقافتين القومية واليسارية المتغلغلة في مجتمعاتنا، أن يطلق المجال للتفكير والعمل الحر للأفراد بعيدا عن القوالب الجامدة والكيليشيهات.  

فهذه الثقافة القائمة على المطلقات لديها هي الأخرى محرماتها والتي تتسرب إلى أنظمة التعليم والإعلام وغيره مما يسمم عقليات الناشئة في البلدان العربية ويعطل سعيها نحو الحرية والديمقراطية.

أما الجبهة الأخرى فهي جبهة الحقوق والحريات.

والمقصود هنا الحقوق والحريات الأساسية للإنسان مثل حرية الرأي والتعبير والمعتقد وسائر الحقوق التي ينص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.   

فليس من المقبول في عالم اليوم أن يحرم الإنسان من الحرية في الاعتقاد أو التعبير والإيمان بدين أو الخروج منه.

كما لا يمكن قبول فكرة أن تعبير الانسان عن هويته سواء الفكرية أو الثقافية أو الجندرية يمكن أن يكون سببا لتجريمه وإيقاع العقوبة بحقه!

إن الديمقراطية تقوم على فكرة المواطنة وعلى أن أفراد المجتمع هم شركاء أصيلون في العقد الاجتماعي المسمى الدستور، وهم بهذا المعنى متساوون ويتمتعون بنفس الحقوق والواجبات.

وعليه لا يمكن التمييز بينهم على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو اللون وما شابه.

في المجتمعات القائمة على الدين كما هو الحال مع غالبية البلدان العربية، فإنه يتم نسف هذه الفكرة تماما. ففي هذه المجتمعات الناس ليسوا متساوين. وإنما الحقوق التي يحصلون عليها متوقفة على عوامل معينة. فالمرأة لا تحصل على نفس الحقوق مثل الرجل لأن الدين ينص على ذلك.

وغير المسلم لا يمكن أن يعامل مثل المسلم، وكذلك الأمر مع أتباع الطوائف الأخرى في المجتمع، أما الأقليات الدينية فهي تتخذ لها مكانا قصيا في أسفل السلم. وفي الغالب فهي تعامل وفقا لانتماءها الديني وليس انتماءها الوطني. 

قصارى القول هو أن التغيير في المجتمع نحو الأفضل لا يبدأ من الشأن السياسي وتغيير الحكومات وإنما من تغيير الأفكار والعقليات والثقافة السائدة في المجتمع، فحين تتأصل الثقافة الطاردة أو المفارقة للاستبداد وحين تتغير مفاهيم الناس نحو قبول المختلف معها في الفكر والرأي والعقيدة والدين، يصير ممكنا أن تتأسس تجربة مجتمعية جديدة وينشأ معها عقد اجتماعي جديد يدشن عصر النظام الديمقراطي .. حينها يكون للانتخابات ولصندوق الاقتراع قيمة حقيقية.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.