بقلم/ عمران سلمان – 23 فبراير 2024/
النقطة الفاصلة في الهجمات التي يشنها المسحلون الحوثيون بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد السفن التجارية المارة في البحر الأحمر وتعطيلهم حرية الملاحة البحرية ستكون نجاحهم في استهداف إحدى السفن الحربية ووقوع إصابات بين أفرادها.
إذا حدث ذلك سوف تتحرك الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية بجدية لوضع حد للإرهاب الذي يمارسه الحوثيون.
حتى الآن فإن الضربات التي وجهتها القوات الأميركية والبريطانية لأهداف حوثية داخل اليمن هي إما استباقية أو ردا على هجمات شنها المسلحون. لكنها في النهاية ليست رادعة ولن تمنع الحوثيين من مواصلة عملياتهم الإرهابية. الواقع أن العكس ربما كان صحيحا، وهو أن ردة الفعل المتراخية شجعت جماعة الحوثيين على توسيع نطاق استهدافها للسفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب. وهناك أنباء عن أن بعض شركات السفن الأوروبية بدأت بدفع رسوم واتاوات للحوثيين مقابل المرور الآمن لسفنها، حيث تصل هذه الرسوم إلى نحو مليون دولار لكل سفينة وهو ما يمكن أن يدخل إلى خزينة الحوثيين قرابة ملياري دولار في السنة بحسب بعض التقديرات.
ولا يستبعد أن يصبح دفع الاتاوات هو التعامل السائد مستقبلا لأنها تظل أقل من المبالغ التي تتكبدها هذه السفن مقابل أخذها الطريق الطويل المار عبر رأس الرجاء الصالح. لكنها في النهاية توفر مصدرا ماليا مهما للحوثيين يجعلهم يتمسكون بهذه القرصنة ويستميتون في سبيلها. وهي تتيح لهم تعويض ترسانتهم من الأسلحة وتطوير أنواع أخرى لاستخدامها ضد السفن التجارية والحربية، فضلا عن إفراغ العقوبات الأميركية ضدهم من محتواها.
وحتى الآن كان المبرر الذي يقدمه الحوثيون لأعمالهم هو استمرار الحرب التي تشنها إسرائيل ضد حركة حماس وأنهم سوف يوقفون أعمالهم بمجرد وقف إطلاق النار.
لكنهم الآن بدأوا يلمحون إلى أن هجماتهم قد لا تكون مرتبطة بموضوع غزة وأنها سوف تتواصل ضد السفن الأميركية والغربية عموما.
وإضافة إلى الأموال التي يحصل عليها الحوثيون فإن هجماتهم هذه قد رفعت من أسهم الجماعة في بعض بلدان المنطقة، وبدلا من كونها جماعة متمردة ومخلب قط لإيران في اليمن بات ينظر لها كحركة مقاومة قادرة على إلحاق الضرر بالمصالح الأميركية والإسرائيلية.
وهذا يبدو أنه شجع الحوثيين وحلفائهم على اتخاذ خيارات استراتيجية، حيث ذكرت مصادر يمنية أن خبراء إيرانيين ولبنانيين عقدوا اجتماعا (22 فبراير 2024) مع الحوثيين في اليمن حيث اتفقوا على توسيع الهجمات في البحر الأحمر.
وفي السياق نفسه قالت وكالة رويترز، نقلا عن بيانات صادرة عن وكالة تسيطر عليها جماعة الحوثي جاء فيها “إن السفن المملوكة كليا أو جزئيا لأفراد أو كيانات إسرائيلية والسفن التي ترفع علم إسرائيل يحظر مرورها في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب”.
وذكرت البيانات، التي أُرسلت إلى شركات تأمين الشحن من مركز تنسيق العمليات الإنسانية التابع للحوثيين، أن السفن المملوكة لأفراد أو كيانات أميركية أو بريطانية، أو التي تبحر رافعة علمي الولايات المتحدة أو بريطانيا، يطبق عليها الحظر أيضا.
وقال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، في كلمة له يوم الخميس (22 فبراير 2024)، إن الهجمات في البحر الأحمر “مستمرة ونسعى لتصعيدها”، وأضاف”أدخلنا سلاح الغواصات في عملياتنا بالبحرين الأحمر والعربي”.
وأكد على أن السفن المستهدفة في البحر بلغت 48 سفينة، وأن الهجمات على إسرائيل بلغت 183 صاروخا وطائرة مسيرة.
هذا يعني أن جرأة الحوثيين سوف تتزايد وكذلك هجماتهم على السفن التجارية والحربية، ومن المرجح أن إحدى الهجمات سوف ينتج عنها خسائر بشرية، الأمر الذي سوف يجبر الولايات المتحدة وكذلك بريطانيا على الرد ضد الحوثيين بصورة مختلفة. وهذا الرد الذي كان البلدان يتجنبانه حتى الآن رغبة في عدم التصعيد وتوسيع نطاق الحرب في غزة، قد يكون في لحظة ما أمرا لا مفر منه.
أيا يكن الحال فالواقع أنه كلما تأخرت واشنطن ولندن في وضع حد للإرهاب الحوثي، كلما تمكنت الجماعة من إعادة تموضعها الإقليمي سياسيا وعسكريا بصورة تجعل من مواجهتها مستقبلا أكثر كلفة وصعوبة.
والتعويل على أن الحوثيين سوف يتراجعون من تلقاء أنفسهم وأنهم سوف ينشغلون بالمأساة التي يعيشها اليمنيون، هو تعويل على السراب.
وكما انخدعت إسرائيل بنوايا حماس وصدقت أن الحركة تفضل الهدوء وتدفق الأموال والتمسك بحكمها في غزة على الحرب مع الإسرائيليين، فإن من الممكن أن تنخدع الولايات المتحدة أيضا بنوايا الحوثيين. مع أن التجربة الأميركية مع الميليشيات التابعة لإيران أثبتت حتى الآن أن الوسيلة الوحيدة لكبحها هي استخدام القوة وخاصة ضد قياداتها، فهي لا تحترم ولا تخاف إلا من القوي أما الضعيف فهي تتجرأ عليه وتهاجمه.