بقلم/ عمران سلمان – نقطة ومن أول السطر – 9 ديسمبر 2023/
في 16 فبراير 2021 شطبت الإدارة الأميركية التي حلت للتو في البيت الأبيض جماعة “أنصار الله” الحوثيين في اليمن من قائمة المنظمات الإرهابية، وذلك بعد فترة وجيزة من إدراجها من قبل إدارة ترامب.
تبرير إدارة بايدن لهذه الخطوة تركز حول العامل الإنساني وتحديدا الرغبة في إبقاء الباب مفتوحا أمام المساعدات التي تقدمها المنظمات الإنسانية لليمن، والتي ستكون صعبة إلى مستحيلة في حال الإبقاء على الحوثيين ضمن قوائم الإرهاب. محللون في واشنطن رأوا وقتها بأن إدارة بايدن أرادت أيضا الإبقاء على قناة دبلوماسية مع صنعاء بهدف وقف الحرب والوصول إلى تسوية سياسية مع السعودية، في حين اعتبر آخرون أن الخطوة ربما تضمنت إرسال إشارة رمزية إلى إيران للمساعدة في إنجاح المفاوضات النووية.
للأسف يبدو أن قرار إدارة بايدن بإزالة جماعة الحوثيين من قائمة الإرهاب كان متعجلا وربما ساذجا، واتضح مع الوقت أنه كان خطأ فادحا.
فالجماعة لم تستثمر القرار الأميركي في التحول إلى طرف مسؤول سواء في إدارة الصراع مع السعودية والأطراف اليمنية المنافسة، أو في تغيير سلوكها وعلاقتها مع إيران.
والقرار لم يحل الأزمة الإنسانية في اليمن. بل الأسوء أنه كافأ الحوثيين على سلوكهم الإرهابي، وجعلهم يشعرون بفائض قوة وأخيرا زاد من مخاطر تحولهم إلى ميليشيات عابرة للحدود.
ويأتي سلوكهم الأخير بالاستيلاء على السفن وتهديد الملاحة الدولية في باب المندب والبحر الأحمر وإطلاق الصواريخ والمسيرات باتجاه إسرائيل كإشارة إلى تحول خطير.
في واشنطن تميز الإدارات الأميركية عادة في تعاملها مع الجماعات الإرهابية بين نوعين من هذه الجماعات. الأولى تلك التي لها نشاط عابر للحدود، مثل تنظيمي القاعدة وداعش وغيرها. التعامل مع هذه الجماعات يتخذ في الغالب صفة المواجهة المباشرة، وطبقا لذلك تخصص الوكالات الأمنية المختلفة، فضلا عن الجيش الأميركي الموارد اللازمة وتضع سلسلة من الخطط وتتخذ إجراءات عملية تتيح مطاردة قادة ونشطاء هذه الجماعات والقضاء عليهم أو اعتقالهم في بعض الأحيان.
والقاعدة القانونية المسوغة لكل ذلك هي أن الولايات المتحدة في حالة حرب مع الجماعات المذكورة. وفي العادة يأتي هذا بعد استهداف الجماعات الإرهابية للمصالح الأميركية سواء على التراب الأميركي أو خارجه، وفي أحيان أخرى يكون هناك ما يكفي من الأدلة على وجود أخطار وتهديدات جدية وسواء كانت متقطعة أو مستمرة.
أما النوع الآخر من الجماعات فهي تلك التي يقتصر نشاطها على الإقليم أو الدولة الواقعة فيها، كما هو الحال مع حركة طالبان، وحتى الآن مع جماعة “أنصار الله” الحوثيين.
هذه الجماعات ليست في حالة حرب مع الولايات المتحدة وفي الغالب لا تكون المصالح الأميركية من بين أهدافها ولذلك لا تشارك القوات الأميركية في أية نشاطات عسكرية مباشرة ضد هذه الجماعات.
والدعم الوحيد الذي قد تقدمه واشنطن في حال كان الخصم هو دولة حليفة أو صديقة هو التدريب والمساعدة العسكرىة الفنية لأجهزة الأمن أو الجيش في هذه الدولة.
وكما ذكرت أعلاه فإن جماعة “أنصار الله” الحوثية كانت حتى هذا الوقت تعتبر جماعة محلية ويقتصر نشاطها على اليمن. لكن بعد التطورات الأخيرة وخصوصا عمليات القرصنة البحرية وتهديد الملاحة الدولية، جعلها مرشحة للتحول إلى تنظيم إرهابي عابر للحدود. وفي حال لم تتخذ الولايات المتحدة والدول الكبرى الأخرى ردا مناسبا للجم “أنصار الله” فربما يدفع ذلك الجماعة إلى توسيع نشاطها بحيث تتخذ من القرصنة وسيلة للابتزاز والحصول على مصادر تمويل للجماعة. ولاحقا ربما تتحول إلى قاعدة واسعة لإدارة وتنفيذ أعمال تخريبية وإرهابية في عدد من دول المنطقة وخاصة دول الخليج.
والواقع أنه لا تنبغي الاستهانة أبدا بتطلعات الحوثيين للعب أدوار عسكرية وسياسية في المنطقة ومحاولة استغلال الأحداث الجارية حاليا في غزة لتثبيت أنفسهم كقوة تتمتع بنوع من “الشرعية” في جنوب شبه الجزيرة العربية.
من هنا يتضح الخطأ الجسيم الذي وقعت فيه إدارة بايدن في سياستها تجاه الحوثيين، بما في ذلك رفعهم من قائمة الإرهاب. وفي حال لم تغير الولايات المتحدة سياستها تجاه الحوثيين ولم تتخذ إجراءات ضدهم بالتعاون مع الدول الحليفة والصديقة، فإن الوضع الحالي يمكن أن يزيد بشكل غير مسبوق من المخاطر والتهديدات في المنطقة.
وهذه الإجراءات من الممكن أن تشمل إعادة وضعهم على قائمة الإرهاب وفرض عقوبات ضدهم وتفكيك شبكات التمويل والتجارة التابعة للجماعة الحوثية ومناصريها والتي تنشط في الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، وصولا إلى تشكيل تحالف عسكري دولي بحري يتولى حماية الممرات المائية في المنطقة ويتصدى لعمليات تهريب الأسلحة. وكلما أسرعت إدارة بايدن في ذلك كلما كانت احتمالات نجاحها أكبر.