بقلم/ عمران سلمان – نقطة ومن أول السطر – 2 ديسمبر 2023/
معظم الدول والحكومات حول العالم أعربت عن ارتياحها للهدنة بين إسرائيل وحماس، وبعضها تمنى أن تطول الهدنة أو تكون مقدمة لانتهاء هذه الحرب. إذ من الواضح أن معظم الناس تود لو أمكن تفادي العمل العسكري في قطاع غزة.
ولكن ألم يكن من الأجدى والحالة هذه لو لم تشن حماس هجومها “طوفان الأقصى” على إسرائيل من الأساس؟ بالطبع مثل هذا السؤال قد يبدو أن لا معنى له الآن، لأن الهجوم قد وقع وانتهى، لكن طرحه مع ذلك يكتسب معنى ما حين يحيل إلى الواقع الذي يتكشف اليوم وذاك الذي يتشكل غدا أو بعد غد.
فما قامت به حماس لم يكن حدثا عارضا، ولم يكون رد فعل على حدث وقع، أو انتقاما لعمل إسرائيلي ما، وإنما كان عملية عسكرية تم التخطيط لها منذ عامين تقريبا، بحسب تصريحات قادة حماس أنفسهم – وجرى الاستعداد لها جديا بما في ذلك حملة التمويه والتضليل التي انطلت على الإسرائيليين وخدرتهم.
أكثر من ذلك فقد صرح القائد العسكري لحماس محمد الضيف وعبر شاشة الجزيرة في يوم العملية أنها بداية حرب طويلة لتحرير فلسطين.. وهي بهذا المعنى إعلان حرب صريح على إسرائيل.
وما دام الأمر هو كذلك، فإن السؤال المنطقي هو لماذا تراجعت حماس وأصبحت تريد الهدنة وتتمنى نهاية الحرب؟
من وجهة النظر الإنسانية فإن هذه الحرب مدمرة وخاصة على الفلسطينيين وهم الطرف الأضعف هنا، وهذا هو حال كل حرب بين إسرائيل وحماس فهي مدمرة للإنسان الفلسطيني بصرف النظر عن إعلان حماس والجهاد خروجهما منتصرتين في كل مرة! ولذلك فإن تجنب الحرب هو الفعل الحقيقي وليس التوصل إلى هدنة أو اتفاق لوقف إطلاق النار بعد أن تندلع!
إنما من وجهة النظر السياسية وربما العسكرية أيضا فإن بديل الحرب هو عملية سياسية تضع الحلول للمشاكل الحالية وتمهد السبيل نحو حل مقبول للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ولكن في ظل غياب مثل هذه العملية فإنه حتى لو توقفت الحرب الحالية لسبب أو لآخر، فإنه ليس هناك ما يضمن عدم اندلاع حرب جديدة بعد فترة قد تطول أو تقصر.
وقد صرح زعيم حركة حماس في قطاع غزة يحي السنوار (30 نوفمبر 2023) أنه “على قادة إسرائيل أن يعلموا أن السابع من تشرين الأول (أكتوبر) كان مجرد تدريب”.
وهذا يعني أن إسرائيل لا تملك الكثير من الخيارات في الواقع، فإما أنها تمضي قدما في محاولة القضاء على حركة حماس – وحماس بالمناسبة ليست مجرد فكرة، كما يقول وزير الخارجية الأردني، ولكنها تنظيم مسلح ومؤسسات وأفراد وهيكل قيادي وناشطين وعلاقات مع دول إقليمية.. الخ، وهذه يمكن مواجهتها وتفكيكها كما حدث مع تنظيم داعش – وإما أن تخاطر بتكرار ما حدث في 7 أكتوبر وربما بصورة أشد.
وفي الحالتين لا توجد حلول سهلة.
وحتى الآن يصعب التكهن بالكيفية التي سوف تنتهي إليها هذه الحرب، لكن ما هو مؤكد هو أننا بإزاء تصعيد كبير وأن الخيارات جميعها تتجه إلى أمر واحد وهو منع قطاع غزة من أن يشكل تهديدا أمنيا مستقبليا على إسرائيل.
وتسعى العديد من دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة للوصول إلى هذه النتيجة من دون الإضرار على نطاق واسع بالمدنيين الفلسطينيين ومن دون أيضا تغيير الواقع السكاني أو الجغرافي لغزة، أي تهجير الفلسطينيين أو إعادة احتلال القطاع أو أجزاء منه من قبل إسرائيل.
وهناك أيضا ضغوط على الحكومة الإسرائيلية بأن تنهي أيا كان ما تقوم به حاليا من عمليات عسكرية في القطاع بأسرع وقت ممكن.
ويبقى السؤال هو هل تتمكن إسرائيل من تحقيق هدفها الأساسي وفي الوقت نفسه الوفاء بوعودها للمجتمع الدولي؟
بحسب المعطيات الحالية فإن القضاء على حماس ليس أمرا مستعصيا، ولكن الثمن سوف يكون كبيرا على الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. وهناك أيضا التعقيدات الإقليمية والتي وإن لم تؤدي حتى الآن إلى توسيع الصراع أو تحول المواجهات الموضعية بين حزب الله وإسرائيل إلى حرب شاملة، لكن احتمالات دخول أطراف أقليمية في هذه الحرب يظل أمرا واردا، ومع اقتراب الموسم الانتخابي الأميركي وانشغال الإدارة الحالية بملف الانتخابات قد يغري ذلك البعض بالتدخل في الصراع لتحقيق بعض المكاسب وكذلك لإحراج الولايات المتحدة.
بعبارة أخرى فإنه رغم ما يبدو أن الجميع يطلب التهدئة أو يسعى إليها، إلا أن ما يجري على الأرض في الواقع يشير إلى أن حماس وإلى حد ما إسرائيل تتصرفان وفق منطق أن الحرب هي الوسيلة الوحيدة تقريبا لحسم هذا الصراع وكل محاولة لإقناعهما بغير ذلك يبدو أن مصيرها هو الفشل.