غزة ما بعد حركة حماس

بقلم / عمران سلمان – 8 نوفمبر 2023/

من الواضح أن حكم حركة حماس في قطاع غزة قد انتهى وأن الحركة تصارع اليوم من أجل البقاء الذي قد يطول قليلا أو كثيرا. ورغم أنه من النادر أن تذكر وسائل الإعلام العربية المؤيدة لحماس أية معلومة أو خبر يتعلق بالخسائر التي تكبدتها الحركة في قتالها مع إسرائيل، إلا أن من الواضح أن سيطرة القوات الإسرائيلية على مدينة غزة وتقسيمها القطاع إلى نصفين يعني أن مسلحي الحركة قد فقدوا زمام المبادرة وأن المواجهات اليوم تجري على أبواب الأنفاق والمنشآت الحيوية بما في ذلك المدارس والمستشفيات في شمال القطاع ووسطه التي تتخذها حماس مراكز اختباء وإدارة لمعاركها مع إسرائيل.

ما يؤكد هذا المنحى للأحداث هو أن الولايات المتحدة والعواصم العربية بما في ذلك السلطة الفلسطينية باتوا يتحدثون اليوم عن مستقبل غزة ما بعد حركة حماس، وهل ينبغي أن تتقدم السلطة لملىء الفراغ وإدارة القطاع لوحدها أم تساعدها جهات إقليمية ودولية وما هي الترتيبات الأمنية والسياسية المزمع اتخاذها في هذا الجانب. وبالطبع أيضا عن الدول أو الجهات التي سوف تمول عملية إعادة الأعمار.

ورغم أن العديد من المحللين العسكريين يتوقعون مقاومة شرسة من جانب مسلحي حماس وخسائر كبيرة في الجانب الإسرائيلي، وهو ما يعقّد ويطيل من أمد هذا الصراع، بالإضافة إلى أن إسرائيل لا تعرف حتى الآن على وجه الدقة حدود وحجم شبكة الأنفاق التي يستخدمها المسلحون، إلا أن حقيقة وجود القوات الإسرائيلية على الأرض في غزة نفسها، والذي تم من دون الإعلان عنه ومن دون أن يواجه بمقاومة كبيرة نسبيا، يعني وضع المزيد من الضغوط والقيود على استخدام تلك الأنفاق وبالتأكيد عملية إطلاق الصواريخ التي تراجعت كثيرا مقارنة ببداية الحرب.

وهذا هو الذي يفسر أن التقديرات اليوم جميعها تتجه إلى أن حماس في طريقها إلى خسارة الحرب عاجلا أو آجلا. وفي مرحلة ما ربما توافق قيادة حماس وداعميها على خروج المقاتلين من غزة، إلى دولة ثالثة، في مقابل تسليم القطاع إلى إدارة مدنية فلسطينية أو ربما إقليمية أو دولية وذلك حقنا للمزيد من الدماء.

ورغم أن هذا السيناريو الذي جرى الحديث عنه قبل فترة قد سحب لبعض الوقت من التداول، إلا أن إعادة طرحه فيما يبدو لا تزال ممكنة بالنظر إلى حجم الضغوط على إسرائيل للموافقة على وقف العمليات العسكرية في القطاع.

من اللافت كذلك أنه رغم الاحتجاجات الشعبية في الدول العربية والعالمية على عمليات القصف الإسرائيلي وما خلفته من أعداد كبيرة من الضحايا وسط المدنيين والدمار الهائل في البنية التحتية، مع ذلك لم تتحرك جهة عربية أو إسلامية لنجدة حماس، وحتى إيران ومعها حزب الله قد نأوا بأنفسهم عن التصريحات التي أطلقوها في السابق وفيها توعدوا بتوسيع رقعة الصراع في إشارة إلى احتمال دخولهم أو مشاركتهم بشكل أو بآخر في الحرب. كما لم يتجاوب سكان الضفة الغربية وكذلك الفلسطينيون في الداخل الإسرائيلي مع دعوة “وحدة الساحات” والتزموا بالهدوء إلى حد كبير.

أما الحكومات العربية فقد بدت حريصة في بياناتها وتصريحات مسؤوليها على التفريق بين وقوفها مع الشعب الفلسطيني في محنته وبين الموقف من حركة حماس نفسها.

وفي مقال له في صحيفة نيويورك تايمز (27 أكتوبر 2023) يقول المسؤول الأميركي السابق والخبير في شؤون الشرق الأوسط دينس روس “إسرائيل ليست الوحيدة التي تعتقد أن عليها هزيمة حماس. فخلال الأسبوعين الماضيين، عندما تحدثتُ مع مسؤولين عرب في مختلف أنحاء المنطقة الذين أعرفهم منذ فترةٍ طويلة، قال لي كل واحدٍ منهم إنه لا بد من تدمير حماس في غزة. وأوضحوا أنه إذا اعتُبرت حماس منتصرةً، فإن ذلك سيضفي الشرعية على أيديولوجية الرفض التي تتبناها هذه الجماعة، ويمنح إيران والمتعاونين معها نفوذاً وزخماً، ويضع حكوماتهم في موقفٍ دفاعي”.

وما يقوله دينس روس هنا يعكس الإشكالية الحقيقية والكبيرة التي تواجهها العديد من الحكومات العربية، التي وإن كانت تعارض السلوك الإسرائيلي في غزة، فإنها لن تشعر بالارتياح لارتفاع أسهم حركة حماس في الشارع العربي، لأن هذا الارتفاع سوف يدعم الاتجاهات الراديكالية في المنطقة، ولاسيما الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي. وسوف يضعف هذه الحكومات بشكل كبير وربما يفقدها جزءا معتبرا من شرعيتها. وفي دول عربية معينة ربما يتم جر الحكومات مرغمة إلى نزاع مسلح أو حرب مع إسرائيل.

هذه المخاوف العربية يبدو أنها تبددت أو في طريقها إلى التبدد مع  التطورات العسكرية الأخيرة في قطاع غزة، والتي تؤكد أن حماس بدأت تفقد السيطرة على القطاع وأنها باتت في موقف دفاعي وتصارع من أجل البقاء وإنقاذ قادتها.

ما الذي سوف يجلبه الواقع الجديد لما بعد حماس في غزة والمنطقة، يظل ذلك بالطبع غير معروف ويصعب التكهن به، إذ هناك على الدوام احتمالات بأن تأخذ الأحداث طريقا مختلفا (إن خيرا أو شرا) في منطقة من بين ما يميزها أن رمالها لا تهدأ عن الحركة.   

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *