احتمالات الصدام بين أميركا والمحور الإيراني

بقلم/ عمران سلمان – نقطة ومن أول السطر – 28 أكتوبر 2023/

 منذ الأيام الأولى لتفجر الصراع بين إسرائيل وحركة حماس في السابع من أكتوبر 2023 كان الهاجس الأساسي لدى المسؤولين عن سياسة أميركا في الشرق الأوسط هو كيفية الحيلولة دون اتساع نطاق هذا الصراع، إلى خارج قطاع غزة وبما يشمل دولا أخرى في الإقليم. وقد ثبت أن لهذا الهاجس ما يبرره تماما.

وقد سارعت الإدارة الأميركية منذ الأيام الأولى إلى إرسال حاملتي طائرات وكذلك نشر  بعض الأصول العسكرية الأميركية المهمة في المنطقة.

ولم يكن الحشد العسكري الأميركي فقط من أجل الردع (وفي حالتنا هذه إيران)، إذ تعرف الولايات المتحدة أن الأمور يمكن ان تتدهور بسرعة في الشرق الأوسط ويكون لها عواقب وخيمة، ولذلك فان الجاهزية هي كلمة السر للبقاء في مقدمة الأحداث بدلا من السير في ذيلها.

الواقع أن محور إيران وميليشياته وجدت في الحرب الحالية بين غزة وإسرائيل فرصة مواتية لإعادة التموضع وتقديم نفسها باعتبارها طرفا قادرا على مواجهة القوات الأميركية أو على الأقل تحدي الوجود الأميركي في المنطقة.

وجاء استئناف الميليشيات العراقية عملياتها لاستهداف القواعد الأميركية في العراق، وكذلك تحشداتها على الحدود الأردنية، وإطلاق الحوثيين عددا من الصواريخ والمسيرات باتجاه إسرائيل (اعترضتها سفن البحرية الأميركية) فضلا عن المناوشات الحالية بين حزب الله اللبناني والفصائل الفلسطينية مع القوات الإسرائيلية، كي يعطينا صورة للمشهد الميليشياوي الإيراني اليوم في المنطقة، والذي يقف على أهبة الاستعداد للانخراط في الحرب الدائرة ضد إسرائيل.

وفيما يتطلع هؤلاء إلى حركة حماس وقدرتها على الصمود والبقاء في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية لأطول فترة ممكنة، فإنهم يتحينون الفرصة فيما يبدو لتنفيذ عمليات (في المناطق التي يتواجدون فيها على الأقل) سواء ضد القوات الأميركية أو باتجاه إسرائيل مباشرة، مستغلين حالة السخط الشديد والعواطف المشحونة المنتشرة في المنطقة جراء تصاعد الحرب في غزة. وهناك احتمالات قوية بأنه في مرحلة ما من الحرب ربما يدخل هؤلاء بصورة فاعلة في المعارك.

هذه المخاطر تبدو جدية ومباشرة هذه المرة، وتأخذها الولايات المتحدة على محمل الجد. لهذا شهدنا في الفترة القليلة الماضية خطوات استباقية من واشنطن بينها إجلاء الموظفين غير الأساسيين في بعض سفاراتها في المنطقة وهناك خطط لإجلاء المزيد منهم في عواصم أخرى، وربما في مرحلة ما إجلاء غالبية المواطنين الأميركيين والذين يقدر عددهم بأكثر من نصف مليون شخص، معظمهم في إسرائيل.

وبالتأكيد سوف تحذو الدول الغربية الأخرى حذو الولايات المتحدة في هذا المجال بمجرد أن تتسارع العمليات.

من جانبها تعيش الحكومات العربية حالة من الارتباك والشلل الكبير . فهي من جهة غاضبة بسبب ما يجري في غزة ومن جهة أخرى لا تريد أن تفقد السيطرة على حركة الشارع. وهناك أيضا مخاطر ظهور وانتشار الميليشيات المسلحة في بعض البلدان أو المناطق.

وفي حالة الأردن على سبيل المثال فإن سماحه للميليشيات الشيعية المحتشدة على الحدود بالدخول إلى أراضيه سوف يعني تحديا خطيرا للدولة وتقويض لسيادة البلد ووضعه في حالة حرب مباشرة مع إسرائيل. وفي حين يستبعد أن تسمح السلطات الأردنية بذلك في أي وقت قريب، فإن تطور الأوضاع يمكنه أن يزيد الضغوط على عمّان وربما يتسبب لها في إشكالات أمنية خطيرة.

والأردن هنا ليست استثناء، فباقي الدول العربية المحاذية لإسرائيل تواجه هي الأخرى ضغوطا من ميليشيات وناشطين يسعون إلى استغلال ما يحدث من أجل خلق حالة فراغ أمني في بعض المناطق كي يتمكنوا من  تثبيت أنفسهم وفي مرحلة لاحقة السيطرة على الفضاء العام فيها.

وحتى الدول العربية البعيدة نسبيا عن ساحة الصراع، بدأت تشعر بالضغوط نتيجة الأحداث المتسارعة وعدم قدرتها على التأثير في مجريات الأمور وتقديم ما يكفي من التهدئة للشارع المحتقن.

وفي الإجمال كان أداء معظم الحكومات العربية ضعيفا وأسيرا لردود الفعل والأهواء المنفلتة.   

ويتوقع أن تسوء الأمور أكثر مع استمرار أعمال القصف الإسرائيلي على غزة والدخول العسكري البري إلى القطاع.

أخيرا، فإن ما يمكن قوله هنا هو أن احتمالات الصدام بين ميليشيات المحور الإيراني والقوات الأميركية تتزايد كل يوم. وإذ من الصعب التفكير في العواقب والمآلات، لكن إذا حدث ذلك فان شكل المنطقة سوف يتغير. فلن تتأثر فقط المصالح الأميركية وإنما أيضا الاستقرار والأمن في العديد من الدول العربية، فيما يتوقع أن يغرق الشرق الأوسط برمته في الراديكالية. وهذه هي وصفة الخراب والدمار التي يبشر بها المحور الإيراني وأنصاره الذين يتزايد عددهم كل يوم.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *