بقلم/ عمران سلمان – نقطة ومن أول السطر -20 أكتوبر 2023/
شكراً للاخ سامح المحاريق على التعليق على مقالي ” لماذا يصطف الغرب مع إسرائيل؟”. الواقع أنه ليس لدي ما أقوله بشأن ذلك التعليق وبالطبع لست أرد عليه هنا أيضا، ولكني انتهز الفرصة لأقول إن هدف مقالي لم يكن تقرير الاصطفاف الغربي مع اسرائيل فهذا من البديهيات المعروفة، وهذه بالمناسبة لها أسبابها وليست اعتباطية أو كيفية، ولكن كان الهدف هو إبراز حجم ونوعية ذلك الاصطفاف الذي كان جارفا. وشخصيا وباستثناء الموقف من داعش والقاعدة فأنا لم أسمع رئيس أميركي من قبل يتحدث عن منظمة أو جماعة بهذه القسوة والحدة كما فعل الرئيس جو بايدن مع حماس حيث وصف هجومها على إسرائيل بأنه شر مطلق. وقد ذكرها بتعابير أخرى لا تقل عن ذلك. وقد سار على إثره زعماء غربيون آخرون مثل المستشار الألماني ورئيس الوزراء البريطاني.
أقول إن هذه المواقف تدين في جانب كبير منها إلى هجوم حماس على المدنيين الإسرائيليين وما قامت به من قتل وجرح واختطاف. إضافة بالطبع إلى التهديد الوجودي الذي شكله ذلك الهجوم على الدولة العبرية.
مع ذلك يبدو أن الأحداث قد تجاوزت هذه النقطة تحديدا، وأن ما يجري اليوم هو أن منطقة الشرق الأوسط قد دخلت مرحلة جديدة من التصعيد الكيفي عسكريا وسياسيا وإنسانيا.
وفي هذا الصدد يمكن أن نلمح بعض النتائج المتحققة حتى الآن.
أولا، نجحت حماس والجهاد ومن ورائهما إيران وميليشياتها في إعادة عجلة الزمن في المنطقة إلى الوراء.
وأولى الضحايا في الطريق كان اتفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل الذي كان قد وصلت التحضيرات له مراحل متقدمة، وأصبح اليوم مؤجلا وربما لن يبصر النور في أي وقت قريب.
كذلك من بين الضحايا مشروع الممر الاقتصادي الذي تم الاتفاق عليه خلال قمة العشرين الاخيرة في الهند.
وعلى الرغم من أن اتفاقيات السلام التي وقعتها الإمارات والبحرين والمغرب والسودان لا تبدو مهددة حاليا لكن قد تصبح كذلك إذا تطورت الأحداث. وفي جميع الأحوال فهي ونتيجة ما يحدث اليوم قد تلقت ضربة موجعة.
بعبارة أخرى فإن العلاقات العربية الإسرائيلية دخلت من جديد مرحلة “الثلاجة”، ولن تخرج منها قبل معرفة ما ستسفر عنه الحرب الحالية.
ويمكن أن نسجل هنا أمرًا جديرا بالملاحظة هو أن اجواء الحماس والتفاؤل التي سادت بعد توقيع اتفاقات ابراهام وخاصة في الجانب الإسرائيلي قد تبخرت.
فقد استفاق الاسرائيليون بعد هجمات حماس، على عالم عربي لايزال في معظمه معادي لهم. ولم تبادر أية دولة عربية إلى إبداء التضامن أو التعاطف مع ضحايا تلك الهجمات، في حين أثبتت معظم النخب والأحزاب والنشطاء العرب أن قلوبهم في الحقيقة هي مع حركة حماس ومسلحيها.
فيما يتعلق بالوضع في قطاع غزة والضفة فإن المستقبل لا يبدو واضحا. فإذا كان حل الدولتين قبل هذه الأحداث بعيد المنال فمن الواضح أنه أصبح اليوم غير وارد تماما في المدى المنظور. وجل ما يمكن أن تتطور اليه الاوضاع في الضفة الغربية هو ادارة حكم ذاتي تسند الى السلطة الفلسطينية. مع ان الوضع في الضفة يظل رهنا بما سوف تسفر عنه الاحداث في قطاع غزة. فان خرجت حركة حماس من هذه الحرب سليمة الى حد ما فربما استطاعت ان تستثمر ما لديها من نفوذ لانتزاع السلطة من حركة فتح.
بالنسبة للقطاع من الواضح انه لن يعود كما في السابق، والامر المرجح ان يتحول الجزء الشمالي منه على الاقل الى منطقة كر وفر عسكري بين الجيش الاسرائيلي والفصائل الفلسطينية المسلحة.
فالعمليات العسكرية الاسرائيلية الحالية يتوقع ان تستمر لفترة طويلة ولن تنتهي في المدى المنظور، اذ من الواضح ان لدى حماس قدرات عسكرية ولوجستية تجعلها تصمد لفترة طويلة. على الاقل في شكل هجمات مسلحة هنا وهناك.
لكن قطاع غزة ما قبل الحرب لن يكون هو نفسه بعدها والراجح ان حماس لن تتمكن من حكم القطاع بنفس الطريقة بعد الآن. لأن أي ظهور علني لقادتها سوف يعني استهدافهم من قبل الإسرائيليين.
كما أن أي مساعدات خارجية إلى القطاع بما في ذلك الأموال القطرية لن تصل إلى حماس، ومعبر رفح سوف يكون خارج نطاق سيطرتها. فيما المساعدات الدولية سوف تخضع لقواعد وترتيبات جديدة.
باختصار فإن إسرائيل إن لم تتمكن من القضاء على حماس، كما تقول، فالواضح أنها ستعمل على إضعاف الحركة إلى أدنى درجة ممكنة.
وفي الأخير فإن الهجوم الجريء وغير المسبوق لحركة حماس على إسرائيل، والذي فاق جميع التوقعات، بشكل أو بآخر في طريقه إلى تقرير شكل المنطقة لسنوات قادمة .. ولكن على خطى الماضي وليس المستقبل!