اتفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل

بقلم/ عمران سلمان – 6 أكتوبر 2023/

فاجأت تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لقناة فوكس نيوز (20 سبتمبر 2023) بشأن التطبيع مع إسرائيل الكثير من المتابعين في المنطقة، وجعلت البعض منهم يضرب أخماسا في أسداس وغير مصدق لما يسمع.

فحتى أيام قليلة (قبل المقابلة) روج البعض إشاعة مفادها بأن السعودية أوقفت الاتصالات الخاصة بالتطبيع. وهي إشاعة اعتبرها هؤلاء بمثابة رد اعتبار بعد سيل الأخبار التي تحدثت عن قرب التوصل لاتفاق، وراح هؤلاء يطرحون أفكارهم بالتمني بأن السعودية يستحيل أن تتوصل الى هكذا اتفاق وأخذوا يعددون الأسباب واحدا تلو الآخر دعما لموقفهم.

حتى جاءت مقابلة ولي العهد السعودي وتصريحاته التي نزلت على هؤلاء مثل الصاعقة. وتحت هول الصدمة لم يتمكن هؤلاء من لململة شعث أنفسهم فراحوا يلجلجون ويتمجمجون في كل حدب وصوب.

البعض تسائل عما الذي سوف تجنيه السعودية من التطبيع مع إسرائيل، وهو سؤال تهكمي الهدف منه ليس معرفة ما الذي سوف تجنيه السعودية بالفعل وانما إبداء الاستنكار ومنه يفهم أنه ليس هناك ما يستحق أو يمكن تحقيقه من هكذا تطبيع!

آخرون تسائلوا أيضا عن التوقيت ولماذا الآن؟ وفي ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية، وفي ظل ما يعتقدون أنه تراجع في الدور الأميركي في المنطقة؟

وسؤال التوقيت هذا لن يمل الرافضون للتطبيع من طرحه، فالسؤال نفسه سوف يطرح اليوم وغدا وبعد غد وبصرف النظر عن أية ظروف أو ملابسات لأن الهدف منه هو ليس بالفعل البحث عن توقيت مناسب وإنما حاله حال السؤال السابق هو سؤال تهكمي واستنكاري وبالنسبة لمن يطرحه فجميع الأوقات غير مناسبة للتطبيع.

أقول إن هذه الأسئلة ليست جادة وليس الهدف منها معرفة الإجابة، ولكنها صيغ “مؤدبة” لاستنكار ورفض الخطوة السعودية وبطريقة كافية لإظهار قدر من المنطق والموضوعية المصطنعة في مجادلتهم.

ملاحظة أخرى يمكن أن نضيفها هنا وهي أنه لو كان ما يجري اليوم قد حدث قبل أربعين أو خمسين عاما لاختلف رد الفعل تماما، ولاستلت الاقلام تقدح في “الرجعية السعودية” و”ربيبة الامبريالية” و”عملاء الصهيونية” …الخ.

لكننا نعيش في عام 2023 وهذا يعني أنه ليست هناك اليوم طاقة لدى هؤلاء أو قدرة على العفرتة والثورية والشعارات الصارخة والادانات النارية، وليست هناك دول تدعم مثل هذا العبث والنزق بالمال والسياسة مثل سورية، وليبيا، واليمن الجنوبي، وغيرها.

أما السؤال الأهم الذي تأخر ذكره في المقال فهو ليس لماذا قررت السعودية إقامة علاقات مع إسرائيل الآن، وإنما لماذا ظلت السعودية طوال هذا الوقت لا تقيم مثل هذه العلاقات؟

لقد ربطت السعودية موقفها من العلاقة مع إسرائيل بالمبادرة العربية للسلام التي تقدمت بها (عام 2002)، والتي تنص على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها بعد حرب عام 1967 بما في ذلك الأراضي الفلسطينية في مقابل تحقيق السلام مع الدول العربية.

ورغم النوايا الطيبة وراء هذه المبادرة إلا أنها ارتكبت خطأ جسيما (جعل تنفيذها مستحيلا تقريبا) وهو أنها انطلقت جماعيا وربطت مصير السلام بقضايا ومواقف أطراف ودول لا يمكن السيطرة عليها أو التحكم فيها.

فالفلسطينيون ورغم أنهم الطرف الأضعف في المعادلة، وكانوا أبرز المستفيدين منها، إلا أنهم لم ينخرطوا في أي جهد حقيقي للمساعدة في ترجمتها إلى أمر واقع، بل على العكس من ذلك كان استثمارهم في العمليات الانتحارية والهجمات المسلحة ونزع الشرعية عن إسرائيل، أكبر بكثير من استثمارهم في وضع اللبنات الأساسية لبناء دولتهم. ثم جاء الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وسيطرة حماس والفصائل “الجهادية” على القطاع، واستعادة الدول الإقليمية (في حالتنا هذه إيران وإلى حد ما تركيا وقطر) السيطرة مجددا على القرار الفلسطيني عبر الدعم المالي والسياسي الذي تقدمه، ليباعد بين الفلسطينيين وبين حلم الدولة.

والسوريون الذين يريدون استرجاع هضبة الجولان متحالفون مع إيران ومع ميليشياتها ولا يمكن حملهم على محمل الجد، وبعد عام 2011 والحرب الأهلية أصبح النظام نفسه لا يسيطر على الوضع الأمني والعسكري، ناهيك عن قدرته على تحريك ملف السلام أو المفاوضات مع إسرائيل.

ويمكن قول الشيء نفسه على لبنان حيث تسيطر ميليشيات حزب الله على القرار السياسي في البلاد.

بعبارة أخرى يمكن القول إن مبادرة السلام العربية ولدت متعثرة (كي لا نقول ميتة) منذ البداية، رغم أنها في ظروف أخرى كان يمكن أن تشكل أساسا معقولا لحل الصراع العربي الإسرائيلي.  

ولو لم تتغير السعودية نفسها لربما لا زال الخطاب السياسي والدبلوماسي يدور حتى اليوم حول المبادرة العربية ولكان الحديث عن إقامة علاقات مع إسرائيل في عالم “المستحيلات”.

لكن السعودية تغيرت وهي ليست المملكة في عام 2002. ويعطي الحديث الذي أدلى به ولي العهد السعودي لفوكس نيوز لمحة عن المستقبل الذي تريده الرياض لنفسها وللمنطقة. وهذه الرؤية التي تقوم أساسا على المساهمة الفاعلة في الاقتصاد العالمي والحضارة الحديثة لا يمكنها أن تستقيم مع العقلية القديمة التي تقوم على الصراع والتناحر والحروب والأيديولوجيات المطلقة، التي ظلت تسيطر على دول المنطقة وشعوبها طوال نصف القرن الماضي.

من هذه الزاوية يمكننا أن نفهم التقارب السعودي الإسرائيلي (وهو سوف يحدث مع هذه الإدارة الأميركية أو غيرها) وهو تقارب تريد المملكة أيضا أن تجذب إليه الفلسطينيين كي يكونوا جزءا من المستقبل بدلا من مواصلة العيش في الماضي. هل تنجح محاولتها هذه المرة؟ نأمل في ذلك وإن كانت تجارب الماضي مع الفلسطينيين لا تبشر بالخير.   

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.