بقلم / عمران سلمان – 1 أكتوبر 2023/
يمكن القول بأن مشروع إنشاء ممر اقتصادي بحري وبري، بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والذي أُعلن عنه على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي (9 سبتمبر 2023) هو أهم مبادرة دولية تقريبا تتعلق بالمنطقة منذ أمد بعيد.
المشروع الذي وقعت على (مذكرة تفاهم أولية بشأنه) كل من الولايات المتحدة والهند والسعودية والاتحاد الأوروبي والإمارات وكذلك فرنسا وإيطاليا وألمانيا، سوف يبدأ من الهند ثم يمر من خلال الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل وصولا إلى أوروبا.
وبحسب ما ذكره ولي العهد السعودي خلال القمة فإن هذا المشروع سوف يسهم في تطوير وتأهيل البني التحتية التي تشمل السكك الحديدية وربط الموانئ، وزيادة مرور السلع والخدمات وتعزيز التبادل التجاري بين الأطراف المعنية، ومد خطوط الأنابيب لتصدير واستيراد الكهرباء والهيدروجين لتعزيز أمن إمدادات الطاقة العالمي، بالإضافة إلى كابلات لنقل البيانات من خلال شبكة عابرة للحدود ذات كفاءة وموثوقية عالية.
وسوف يدعم المشروع أيضا جهود تطوير الطاقة النظيفة، وسيساهم تنفيذه في توليد فرص عمل جديدة ونوعية، ومكاسب طويلة الأمد على امتداد ممرات العبور لجميع الأطراف.
باختصار يمكن القول إن هذا المشروع غير المسبوق يشكل فرصة لإعادة إدماج المنطقة في الاقتصاد العالمي، على نحو يمنحها الوسائل الكفيلة للنهوض والمشاركة الفعالة في الحضارة الحديثة.
ولا عجب أن عددا من زعماء العالم وجدوا في المشروع نقطة تحول بالنسبة للشرق الأوسط، وهو إذا وجد في النهاية طريقه إلى التنفيذ فسوف يغير المعادلات الموجودة حاليا، وربما ينشئ شرقا أوسطا جديدا.
لكن هنا بالذات تكمن المعضلة الكبرى. ألا وهي ماذا بشأن الدول أو القوى في المنطقة غير المستفيدة أو الضالعة مباشرة في هذا المشروع؟ هل ستقف مكتوفة الأيدي أم تسعى إلى تخريب هذه الجهود أو إعاقتها؟
للأسف يتعين أن أقول (وأتمنى أن أكون مخطئا) بإن تجارب التاريخ الحديث في المنطقة في هذا الصدد ليست باعثة كثيرا على التفاؤل.
إن مشروع الممر الاقتصادي يصب مباشرة في الرؤية الجديدة للشرق الأوسط والقائمة على تقديم عامل التعاون والشراكة الاقتصادية والمنافع المتبادلة على عامل الاختلاف السياسي. وهي الرؤية التي تتبناها دول مثل السعودية والإمارات وإسرائيل، ومصر والبحرين، والأردن والمغرب.
ولم يكن من باب الصدفة أن هذه الدول نفسها تشكل محور الاعتدال في المنطقة رغم الاختلافات فيما بينها، ورغم أيضا التباينات في أنظمتها السياسية.
في المقابل تقف إيران وميليشياتها في المنطقة، كما تقف تركيا وقطر وتنظيمات الإخوان المسلمين والجهاديين في الخندق المواجه، وهي ترى في كل تعاون اقتصادي في الشرق الأوسط لا يصب في صالح مشروعها القائم على المرجعية الدينية ولا يستجيب لتطلعاتها في إقامة أنظمة حكم شمولية ودينية بمثابة مؤامرة يتعين مواجهتها.
ولذلك لم يكن من باب الصدفة أيضا أن هذا المحور تعامل سلبيا مع مشروع الممر الاقتصادي واعتبر أن الهدف منه هو أساسا وتحديدا إدماج إسرائيل في المنطقة.
وإدماج إسرائيل لا مناص منه هنا ليس فقط لكونها ترغب في ذلك، ولكن لأنه لا توجد بدائل تذكر لتنفيذه من دون إسرائيل، حيث إن الدول العربية المطلة على المتوسط إما دول فاشلة أو غير مؤهلة اقتصاديا وسياسيا للقيام بأي دور ذي قيمة في هذا المشروع، والمقصود هنا سورية ولبنان (في الواقع الوصول إلى لبنان غير ممكن من دون المرور بسورية) وقطاع غزة.
لكن السبب الأكبر لمخاوف محور “التطرف” تكمن في أن الممر الاقتصادي وما سيتبعه من علاقات وتكامل اقتصادي يقطع الطريق على مشروع سيطرة الجماعات الإسلامية على المنطقة، عبر تغيير قواعد اللعبة ومنح المجتمعات العربية، وخاصة الفئات الشابة، أفقا جديدا للخروج من دوائر الفقر والعجز الاقتصادي والبطالة والهجرة غير الشرعية.
لذلك من المتوقع أن يسعى هذا المحور إلى خلق الأزمات والمتاعب والتصعيد العسكري من حين لآخر، سواء في الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة أو في لبنان، أو العراق، أو سورية، أو اليمن، أو أية بقعة متاحة له بهدف إعادة المنطقة إلى المربع الأول وتحويل الجهد والتركيز السياسي والاقتصادي والدبلوماسي بعيدا عن المشروع.
والواقع أن هذا الاحتمال ليس بعيدا ولا ينبغي التقليل من قدرات محور “التطرف” على خلق الأزمات وإرباك الساحات وإفساد المشاريع التنموية أو تعطيلها. وتجربة العقود الماضية في أكثر من موقع عربي دليل على أن المتطرفين لديهم الإمكانيات ولا ينقصهم التصميم على إلحاق الضرر بكل من يعارضهم.
لذلك فالسؤال المهم هو: من يسبق الآخر لخلق الأساس القوي لمشروعه وكسب المراهنة عليه؟
إضافة إلى ذلك فإن نجاح مشروع اقتصادي بهذا الحجم سوف يتطلب في نهاية الأمر توفير قدر معقول من الاستقرار السياسي والأمني، على الأقل في المناطق التي سوف يمر بها، وتلك التي سوف تشارك فيه بفعالية. وهذا يعني تغيير العقليات وتوفير مناخات من التبادل والتعايش والتفاهم، بين مجتمعات لم تتعود على العمل سويا وبصورة جماعية. ومع أن هذه الأمور ليست صعبة التحقيق في حال تبين أن عوائد المشروع كبيرة وواضحة بحيث تصعب مقاومتها، إلا أن الطريق إلى ذلك سيظل محفوفا بالعديد من المصاعب والتعقيدات التي لا ينبغي الاستهانة بها.