بقلم / جيانلوكا باكياني – تايمز أوف إسرائيل – 10 أغسطس 2023
في 30 يوليو، نزل آلاف الفلسطينيين في جميع أنحاء قطاع غزة إلى الشوارع مطالبين بتحسين ظروف المعيشة، في استعراض نادر للغضب العام ضد نظام حركة “حماس”. يوم الجمعة الماضي في 4 أغسطس، احتشد المئات مرة أخرى في مناطق مختلفة من القطاع.
احتشد المتظاهرون تحت شعار “نريد أن نعيش” – وهو نفس الشعار الذي استخدم في الجولة الأخيرة من الاحتجاجات في 2019. ونظم التظاهرات حساب مجهول على “إنستغرام” تحت اسم “الفيروس الساخر”الذي يضم 160 ألف متابع. وقد انضم العديد من النشطاء المناهضين لحركة حماس في المنفى إلى الحملة، وحثوا سكان غزة على النزول إلى الشوارع والمطالبة بمستوى معيشي أفضل.
بالنظر إلى الغياب شبه الكامل لوسائل الإعلام الحرة في القطاع، يصعب على المحللين الخارجيين قياس عدد الأشخاص الذين شاركوا في الجولة الأخيرة من الاحتجاجات. وبحسب مقاطع فيديو تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، بدا أن الأعداد كانت أكبر بشكل ملحوظ في المظاهرة الأولى عنها في الثانية، عندما اتخذ جهاز الأمن التابع لحركة حماس إجراءات احترازية.
وكان من المقرر أن تجري الاحتجاجات مرة أخرى في أنحاء القطاع يوم الاثنين، لكن حماس جاءت مستعدة لإحباطها.
وقال مصدر من داخل غزة لـ”تايمز أوف اسرائيل” يوم الثلاثاء: “في جميع المواقع التي أعلنا فيها عن عقد تجمعات، كان هناك تواجد مكثف للأمن المدني والعسكري، وسيارات الشرطة في كل مكان”.
“كلما سار شخصان معا، مُنعا من التوقف في الشارع، وبعد أقل من دقيقة، كانت [قوات الأمن] تتوجه إليهما وتقول لهما ‘اخرجا من هنا وإلا سنأخذكما معنا’”.
لكن على وسائل التواصل الاجتماعي، على الأقل، يبدو أن الحركة الاحتجاجية تحافظ على زخمها.
وقال رامي أمان، وهو ناشط سلام بارز من غزة يقيم في القاهرة، ومنتقد للحركة التي تحكم القطاع: “الناس يتحدثون بصراحة أكبر ضد حماس على وسائل التواصل الاجتماعي اليوم مما كانوا عليه قبل عشر أو خمس سنوات. في ذلك الوقت، لم يكن الناس يجرؤون على إسماع آرائهم عبر الإنترنت خوفا”.
اعتقلت حماس أمان، مؤسس مجموعة تمكين الشباب الشعبية “لجنة شباب غزة”، عدة مرات بسبب نشاطه، وسُجن في إحدى هذه المرات لمدة سبعة أشهر في عام 2020 بعد أن نظم لقاء “زووم” بين سكان من غزة وإسرائيليين، فيما اعتبرته حماس عملا إجراميا.
يقيم أمان في القاهرة منذ ديسمبر 2021، لكنه لا يزال على اتصال بالنشطاء داخل القطاع، وينتقد بشدة معاملة حماس للسكان.
رامي أمان، ناشط سلام من غزة، خلال مقابلة أجريت معه على سطح منزل عائلته في مدينة غزة، 10 فبراير، 2021. (Adel Hana / AP)
وقال: “اليوم، إذا نظرت إلى صفحات التواصل الاجتماعي الرسمية لحماس ووزاراتها، ستجد عددا كبيرا من التعليقات الناقدة، حيث يكتب الأشخاص علانية من حساباتهم على فيسبوك، ويظهرون اسمهم وصورة ملفهم الشخصي”.
“ستجدون تعليقات إيجابية على صفحة ’المنسق’ على الفيسبوك أكثر من تلك الموجودة على صفحات حماس هذه الأيام”، كما قال، في إشارة إلى هيئة وزارة الدفاع الإسرائيلية المسؤولة عن الشؤون المدنية الفلسطينية.
وأوضح قائلا: “لا توجد عائلة واحدة في غزة لم تعاني على يد حماس بشكل أو بآخر بسبب الاعتقالات أو الاضطهاد. لقد سئم الناس من عدم وجود فرص أو مخرج. الطريقة الوحيدة لكسب العيش الكريم هي الانتساب إلى حماس. إذا كنت ترغب في التقدم لوظيفة حكومية، فأنت بحاجة إلى رسالة من مسجدك”.
“في المقابل، تعيش قيادة حماس في فيلات جميلة، وتقود سيارات فارهة، وتأكل في مطاعم فاخرة. وكبار القادة، بالطبع، لا يعيشون في غزة على الإطلاق”.
الاحتجاجات في طور الإعداد من مدة طويلة
السخط الشعبي من نظام حماس في غزة يتصاعد منذ سنوات. منذ أن انتزعت الحركة السيطرة على القطاع الساحلي من السلطة الفلسطينية التي تديرها حركة “فتح” في عام 2007، اندلعت احتجاجات واسعة النطاق في عدة مناسبات، كان آخرها في أبريل 2015 ويناير 2017 ومرة أخرى في عام 2019. في كل مرة، قمعت قوات الأمن التابعة لحماس الاحتجاجات التي لم تؤد إلى أي تغييرات كبيرة بالنسبة للسكان المحليين.
اندلعت الجولة الحالية من الغضب الشعبي بعد أن قتلت السلطات المحلية أحد سكان خان يونس، ويُدعى شادي أبو قطة، في 27 يوليو. حوصر أبو قطة تحت جدار منزله الذي هدمته جرافة تابعة للبلدية، حيث زعمت السلطات أن الجدار تداخل مع طريق عام. وتوفي أبو قطة وهو يحمل في يده وثيقة تثبت ملكيته للمبنى فيما شرعت السلطات في هدمه.
سارعت حماس إلى إدانة الحادثة في بيان رسمي، وأقالت رئيس بلدية خان يونس ودفعت في وقت لاحق تعويضات مالية للعائلة، لكن مع انتشار مقطع فيديو للحادثة على وسائل التواصل الاجتماعي، اندلعت احتجاجات عفوية في المدينة. في أحد مقاطع الفيديو، يظهر رجل وهو يحمل عباءة نسائية سوداء وجدها في الشارع ويصيح: “إذا فيكو ذكر يتقبل هذا الظلم ويقول إنه أن حمساوي يقف ألبسه عباية النسوان… نيالها اللي رمت العباي هاي”.
يوضح أمان أن “خان يونس هي استثناء إلى حد ما في القطاع، حيث أن معظم سكانها من سكان غزة الأصليين”. وهذا يتناقض مع باقي القطاع، حيث ينحدر حوالي ثلثي السكان من لاجئين فلسطينيين من عام 1948. وأشار أمان إلى أن “خان يونس كانت تاريخيا معارضة لحكم حماس”.
في أعقاب حادثة الهدم، توجه نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي إلى الإنترنت وأعلنوا يوم غضب (دعت بعض الحسابات صراحة إلى “ثورة”) يوم الأحد 30 يوليو، مطالبين بإنهاء انقطاع الكهرباء في القطاع ودعوا إلى صرف الرواتب المتأخرة لموظفي الحكومة.
بعد ظهر يوم 30 يوليو، نُظمت مسيرات في جميع أنحاء غزة، حيث هتف المتظاهرون “عار” ضد النظام. ولوحوا بالاعلام الفلسطينية فيما تم تصوير البعض وهم يمزقون علم حماس.
في إحدى الحالات، ورد أن بعض الأشخاص أحرقوا راية الحركة، قبل أن تتدخل الأجهزة الأمنية بسرعة لتفريق الحشد.
قوات الأمن التابعة لحركة حماس، التي فوجئت بالاحتجاجات، لم تقم بقمع المظاهرة بقوة في 30 يوليو. في حين أن معظم المسيرات انتهت بشكل سلمي، تم تسجيل بعض الحوادث في خان يونس حيث أفادت تقارير أن الشرطة حطمت الهواتف المحمولة للمارة الذين قاموا بالتصوير، وورد أن مواجهات اندلعت في عدة حالات بين مؤيدي حماس ومعارضيها.
اتهم أنصار حماس على الفور منظمي الاحتجاج بأنهم عملاء لجهاز الموساد الإسرائيلي أو لجهاز المخابرات العامة التابع للسلطة الفلسطينية في رام الله.
سارع النشطاء إلى الإشارة إلى أن الحركة الاحتجاجية مستقلة ولا يتم تمويلها أو السيطرة عليها من قبل أي شخص خارج غزة. وقالوا إن الدافع الوحيد وراء الاحتجاجات هو المطالبة “بالكهرباء والعمل والطعام والكرامة والحقوق الأساسية مثل المواطنين في أي بلد آخر”.
أفادت مصادر معارضة مختلفة عن إصابة عدد من المتظاهرين، وقيام قوات حماس باقتحام مستشفى في رفح واختطاف ثلاثة معارضين كانوا قد نقلوا لتلقي العلاج من إصابات تعرضوا لها.
وتعرض الصحفي وليد عبد الرحمن للاعتداء من قبل قوات الأمن التابعة لحركة حماس أثناء قيامه بتصوير مظاهرة في مخيم جباليا للاجئين، واضطر لوقف تغطيته. وأدان الاتحاد الدولي للصحافيين العرب الحادث مطالبا بحرية الصحافة ومحاسبة مرتكبي الاعتداء.
استعدادا للجولة التالية من الاحتجاجات في 4 أغسطس، اعتقلت حماس عشرات النشطاء في الأيام التي سبقت المظاهرات، بحسب نشطاء محليين. وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي انتشار قوات الأمن التابعة لحماس بأعداد كبيرة في أنحاء القطاع صباح الجمعة، قبل ساعات من بدء الاحتجاجات. كما حشدت حماس قاعدتها ونظمت احتجاجات مضادة لدعم النظام.متظاهرون فلسطينيون يلقون الحجارة ويحرقون الإطارات خلال مظاهرة احتجاجية على انقطاع التيار الكهربائي المزمن في القطاع والظروف المعيشية الصعبة، في خان يون ، جنوب قطاع غزة ، 30 يوليو، 2023. وخرج عدة آلاف من الأشخاص لفترة قصيرة إلى الشوارع في أنحاء قطاع غزة ورددوا هتافات “يا للعار” وأحرقوا أعلام حماس في إحدى الحالات، قبل أن تتدخل الشرطة وتفرق الاحتجاجات. (AP Photo)
انتقادات من الفصائل الفلسطينية الأخرى
أدانت قوى سياسية فلسطينية مختلفة مناهضة لحماس رد الحركة على الاحتجاجات العفوية.
أصدر الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني وحزب الشعب الفلسطيني الاشتراكي، وهما حزبان صغيران يتبعان منظمة التحرير الفلسطينية، بيانين ينددان باستخدام القوة من قبل حماس لتفريق المتظاهرين، ويؤكدان على حق المواطنين في التظاهر السلمي، ويحثان حماس على البدء بمعالجة مشاكل غزة العديدة.
ولم يحاول سالم البرديني، الامين العام للجبهة العربية الفلسطينية، وهو فصيل فلسطيني آخر تابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، التخفيف من حدة كلماته. في مقابلة أجرتها معه إذاعة “صوت فلسطين” قال البرديني إن “حماس تمتص دماء أهلنا في قطاع غزة، من خلال سيطرتها عليها وتحويل أموالها إلى الخارج”.
وأضاف البرديني “حماس، منذ انقلابها على الحاكم الشرعي [السلطة]، لم تقم بأي تحسين للبنية التحتية لقطاع غزة، ولم تتمكن من توفير الخدمات الأساسية التي يحرم شعبنا منها، مثل الكهرباء”.
وقال إن “انتفاضة أهل غزة ضد حماس ليست مفاجئة حتى لمن صوتوا لهم في انتخابات 2006″، في إشارة إلى الانتخابات الأخيرة التي أجريت في الأراضي الفلسطينية، “لأن حماس نكثت في نهاية المطاف بجميع شعاراتها”.
مسألة توقيت
أجريت مسيرات 30 يوليو بينما كان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في مصر، لحضور اجتماع مصالحة للفصائل الفلسطينية نظمه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، زعيم حركة فتح.
وقال مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، في مقابلة أجراها معه تايمز أوف إسرائيل: “ليس من قبيل المصادفة أن توقيت الاحتجاجات تزامن مع قمة الفصائل الفلسطينية في مصر. خرج سكان غزة إلى الشوارع لمطالبة القيادة بإنهاء الانقسام بين فتح في الضفة الغربية وحماس في غزة”.
مخيمر أبو سعدة ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر بغزة. (Courtesy)
وأضاف أن “الوضع في غزة اليوم ليس بالسوء الذي كان عليه في مارس 2019، عندما اندلعت آخر احتجاجات واسعة النطاق. آنذاك، طالبت السلطة الفلسطينية في رام الله إسرائيل بخفض إمدادات الكهرباء إلى غزة كإجراء عقابي ضد حماس”.
وقال أبو سعدة “لكن في السنوات الأربع الماضية، كانت قطر هي من يدفع فاتورة الكهرباء لغزة، بينما تتبرع أيضا بمبلغ 30 مليون دولار شهريا لدعم رواتب موظفي حكومة حماس وتقديم المساعدة للأسر الفقيرة، وقد تحسن الوضع إلى حد ما”.
“ومع ذلك، فإن 70٪ من سكان غزة يتلقون مساعدات غذائية من المنظمات الإنسانية الدولية، وتبلغ نسبة البطالة 45٪. تصاريح العمل التي تمنحها إسرائيل لنحو 17 ألف عامل من غزة ليست سوى نقطة في محيط. في كل عام، ينهي عشرات الآلاف من شباب غزة دراستهم الجامعية، لكن ليس لديهم فرص عمل، ولا مكان آخر يذهبون إليه.
“ما احتج عليه الشباب هو الانقسام بين حماس وفتح. يعتقد معظم الفلسطينيين في غزة أن البؤس الذي يعيشون فيه، والفقر والبطالة، هو نتيجة الانقسام السياسي، والانفصال بين غزة والضفة الغربية. لقد أرادوا أن يسمع قادتهم رسالتهم”، على حد قول أبو سعدة. ومع ذلك، توقع أن تختفي حركة الاحتجاج قريبا.
القوة للشعب
في ظل نظام لا يسمح بمساحة للمعارضة السياسية، أصبحت الكهرباء السبب الرئيسي لحشد المواطنين للتعبير عن مظالمهم.
تتلقى غزة، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 2.3 مليون نسمة، الكثير من إمداداتها الكهربائية من إسرائيل، مع وجود محطة كهرباء محلية واحدة تزود الباقي. لكن الطلب يفوق العرض بكثير، مما يؤدي إلى قيود ونقص حاد.
ألقت حماس مرارا باللائمة في مشاكل البنية التحتية في غزة على الحصار الذي تفرضه إسرائيل منذ عام 2007، والذي شل اقتصادها وفرض قيودا شديدة على وارداتها، وترك القطاع معزولا عن بقية العالم.
ولقد فرضت إسرائيل الحصار بعد سيطرة الحركة على القطاع للحد من قدرتها على تسليح نفسها لشن هجمات على إسرائيل. كما فرضت مصر المجاورة حصارا من جانبها.
لم يتم قط استخدام محطة توليد الكهرباء في غزة بكامل طاقتها. وقال أبو سعدة إن ثلاثة مولدات كهربائية تزود القطاع بالكهرباء، بينما يستخدم الرابع كمولد احتياطي للطوارئ عندما يتعطل الآخرون.
يتسبب انقطاع التيار الكهربائي المستمر في ضائقة شديدة لسكان القطاع، مع تلف الطعام في الثلاجات، واضطرار الناس للعيش والعمل في درجات حرارة حارقة (وصلت إلى 38 درجة مئوية هذا الصيف) ومع تكييفات هواء تعمل بشكل متقطع، وقيام محطات معالجة مياه الصرف الصحي المياه غير المعالجة في البحر، مما يتسبب في تلوث كبير في كل من غزة والشواطئ الإسرائيلية المجاورة.
منذ حوالي ثلاثة أسابيع، أطلق عبد الحميد عبد العاطي، الصحفي بإذاعة “الوطن” المحلية، حملة على وسائل التواصل الاجتماعي عبر هاشتاغ “الجيل الرابع” للضغط على السلطات المحلية لحل أزمة الكهرباء المستمرة. في مقابلة مع “المونيتور”، أعرب الصحفي عن شكوكه حول ما إذا كانت حماس تستخدم الأموال التي تجمعها من سكان غزة من أجل الكهرباء بشكل مناسب.
وأعلن ظافر ملحم، رئيس هيئة الطاقة التابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله، التي تسدد فاتورة إمداد الكهرباء إلى غزة من إسرائيل، للمونيتور، وهو موقع إخباري مقره العاصمة الأمريكية واشنطن، أن شركة الكهرباء التي تديرها حماس في غزة تجمع 35-40 مليون شيكل (9.4 إلى 10.8 مليون دولار) شهريا من فواتير الكهرباء من سكان غزة، لكن جزءا كبيرا من هذه الأموال لا يُعرف مصيره.
يقدّر أحد معارضي حماس البارزين المقيم في أوروبا أن هناك حاجة إلى 5 ملايين شيكل فقط لتشغيل محطة الطاقة على أساس شهري، مما يشير إلى أن حماس تختلس مبلغ الـ 30 مليون المتبقي. لم يتسن التحقق من الأرقام بشكل مستقل.
تدخلت قطر مؤخرا لشراء وقود إضافي لتشغيل المولد الرابع. بفضل التدخل الأخير لقطر، يحصل سكان القطاع الآن على الكهرباء لمدة ثماني ساعات في كل مرة (ارتفاعا من ست ساعات)، تليها ثماني ساعات من انقطاع التيار الكهربائي (انخفاضا من 12).
كما تقدم الدولة الخليجية الثرية منحة شهرية قدرها 100 دولار للأسر الأشد فقرا في غزة، تقتطع منها إدارة حماس 15 دولارا.
ينظر الكثيرون إلى دور قطر في توفير شريان الحياة لغزة على أنه سيف ذو حدين. “ترى دائما قطر تقدم مساعدات نقدية لغزة، وتعيد بناء الطرق والمنازل بعد الهجمات الإسرائيلية، بل إنها قامت ببناء مستشفى، لكنك لا تراهم أبدا يفتتحون مصنعا”، كما يقول رامي أمان، ناشط السلام من غزة المقيم بالمنفى في مصر، ويضيف “يبدو الأمر كما لو أنهم لا يريدون أن يتطور اقتصاد غزة، كما لو كانوا يريدون إبقائنا معتمدين على مساعدتهم”.
صوت معارض
مصطفى (ليس اسمه الحقيقي)، ناشط مناهض لحماس في منتصف الثلاثينات من عمره يعيش في غزة ووافق على التحدث إلى تايمز أوف إسرائيل عبر البريد الإلكتروني بشرط عدم الكشف عن هويته، وصف الحياة في القطاع المعزول تحت حكم حماس و الحصار الإسرائيلي بأنه “سجن في الهواء الطلق”.
قال مصطفى إنه مع وجود أكثر من 70٪ من البطالة في صفوف الشباب ومع متوسط دخل يبلغ 20 شيكلا أو 5.5 دولارا في اليوم للفرد، ومع الحصول المتقطع على الكهرباء ومياه الصنبور غير الصالحة للشرب، فإن الحياة في الجيب بالكاد تكون صالحة للعيش بالنسبة للغالبية العظمى من المواطنين الغير مرتبطين بحماس بشكل أو بآخر.
وأضاف أن مغادرة القطاع تتطلب تهريب ما لا يقل عن 10 آلاف دولار بشكل غير قانوني، مع وجود احتمالات كبيرة للموت في الطريق إلى الحرية. وتابع أن هذا كله لأن “المدنيين في غزة يتم استغلالهم كبيدق في صراع بين القوى الإقليمية، وحركة حماس تستخدم مواطنيها كدروع بشرية للدفاع عن مشروعها ’المقاومة الإسلامية’ الخاص بها بينما تسكت وتهدد بقتل أي معارضة”.
ويقدّر مصطفى، وهو خبير يصف نفسه بأنه “ليبرالي وديمقراطي” مهتم بـ “القضايا الإنسانية والمواطنة الحرة”، أن الموجة الحالية من التظاهرات قد بدأت لتوها، حيث يرى أن مطالب المحتجين لا تقتصر على الكهرباء، بل أنها تهدف في نهاية المطاف إلى الإطاحة بـ “النظام العسكري وحكم رجال الدين”.
وفيما يتعلق بالعلاقات مع الدولة اليهودية المجاورة، أعرب مصطفى عن رغبته في تشكيل حكومة فلسطينية ذات “سياسات جديدة وواضحة وعقلانية تجاه إسرائيل وجيش الاحتلال، دون تحالفات إقليمية”، في إشارة إلى دعم إيران لحركة حماس والجماعات المتطرفة الأخرى.
وقال مصطفى “الجانب الإسرائيلي ينظر إلينا على أننا إرهابيون وليس كأشخاص لديهم أحلام وتطلعات. لكن الواقع مختلف تماما: معظم سكان غزة مدنيون أبرياء يعيشون في ظروف إنسانية مزرية. إنهم يحلمون فقط بحياة كريمة، وحرية، وعدالة، وسلام، وانتخابات ديمقراطية”.
“لهذا السبب نزل الناس إلى الشوارع. للمطالبة بأبسط حقوقهم، وتحسين ظروفهم المعيشية، ووضع حد للفقر والبطالة ونقص المياه والكهرباء، والاحتجاج على فرض السلطة بالقوة، وإسكاتهم والتجسس عليهم”، كما يقول.
وأضاف: “يمكن تقسيم سكان غزة إلى قسمين: أغلبية كبيرة تعيش تحت خط الفقر، ونخبة حاكمة صغيرة تابعة لحماس والفصائل الإسلامية الأخرى، تعيش على التمويل الذي تحصل عليه ’المقاومة’”.
من وجهة نظره الشخصية كناشط سلام، قال مصطفى إن “هذه المظاهرات لا تأتي من فراغ”. حسب كلماته، تعبر هذه الاحتجاجات عن “قناعة أهل غزة بأن السلام هو الحل. يريد سكان غزة إنهاء الاحتلال والحصار الإسرائيلي، ويريدون وقف إراقة الدماء المستمرة منذ سنوات عديدة”.