بقلم/ عمران سلمان – 13 أغسطس 2023
ملامح الصفقة الأميركية السعودية المنتظرة يبدو أنها قد بدأت بالتشكل والظهور، وهي الصفقة التي ستؤدي إلى تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، في مقابل حصول الرياض على امتيازات أمنية وعسكرية من الولايات المتحدة وكذلك مساعدتها في بناء برنامج نووي للأغراض المدنية. ولأنه من المستبعد أن تترك السعودية الفلسطينيين خلفها، فمن الواضح أن الصفقة سوف تشمل أيضا ربما دولة فلسطينية أو كيان فلسطيني قابل لأن يصبح دولة في المستقبل.
الخاسرون والرابحون
يمكن القول إنه لا يوجد خاسرون في تلك الصفقة فجميع الأطراف المشاركة فيها رابحة، ولكن تتفاوت درجات الربح.
الرئيس الأميركي جو بايدن يعتبر أن صفقة كهذه سوف تعطي دفعة هائلة لفرص إعادة انتخابه، فهي لا تشكل مجرد انجاز في السياسة الخارجية، ولكنه انجاز تاريخي في منطقة الشرق الأوسط، من شأنه أن يطوي صفحة ويفتح أخرى وسوف تكون له تداعيات تتجاوز المنطقة.
ولن يجذب ذلك أصوات اليهود وأموالهم لحملة بايدن فحسب، ولكنه سوف يدلل على أنه لهذه الإدارة سجل في التعامل مع الأزمات الخارجية وتحقيق إنجازات فيها.
بالنسبة لإسرائيل فإن التطبيع مع السعودية يطوي صفحة الصراع العربي الإسرائيلي وينهي أية احتمالات للحروب في المستقبل. كذلك فإنه من شأنه أن يشجع العديد من الدول العربية والإسلامية على الحذو حذو الرياض وإقامة علاقات مع إسرائيل.
ومن الناحية الاستراتيجية فإن هذه الصفقة تعادل الجائزة الكبرى لإسرائيل أمنيا وعسكريا وسياسية.
أما بالنسبة للسعودية فإن حجم الفوائد التي سوف تجنيها من الصفقة كبيرا هو الآخر. فهي سوف تضمن التزاما أميركيا بالدفاع عنها شبيه بذلك الموقع مع كوريا الجنوبية وألمانيا، وأيضا سوف يسمح لها بالحصول على أسلحة أميركية متطورة ونوعية. كما أنه سوف يغلق ملف خاشقجي وتداعياته بصورة كاملة.
الفلسطينيون هم كذلك رابحون، فإذا تمكنت السلطة الفلسطينية من التقاط طرف الخيط والتنسيق مع الرياض وواشنطن والاستفادة المثلى من كل ما يعرض عليها، فمن الراجح أن تحصل على صفقة أفضل يمكن أن تنتزعها من الحكومة الإسرائيلية الحالية. وهي صفقة قد لا تقتصر على وقف الاستيطان وضم المزيد من أراضي الضفة، ولكنها قد تشتمل على إقامة كيان فلسطيني وإرسال قوات أميركية أو دولية مهمتها الفصل لضمان الهدوء بين الفلسطينيين والإسرائيليين. إضافة إلى ترتيبات تتعلق بغزة.
مقدمات الصفقة
ما يدفع للقول بأن هذه الصفقة الأميركية السعودية قد باتت جاهزة تقريبا عدة تطورات أسردها فيما يلي:
1- قرار السعودية بتعيين سفير لها لدى السلطة الفلسطينية لأول مرة في التاريخ، حيث قدم نايف بن بندر السديري السفير السعودي لدى الأردن (12 أغسطس 2023) نسخة من أوراق اعتماده سفيرا فوق العادة مفوضا وغير مقيم لدى السلطة الفلسطينية، وقنصلاً عاماً بمدينة القدس، إلى مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الدبلوماسية مجدي الخالدي في العاصمة الأردنية عمان. وبطبيعة الحال فإن الخطوة السعودية هي تمهيد للكيان الفلسطيني المستقبلي، لأنه من المستبعد أن تقدم السعودية على خطوة كهذه من دون تغييرات قادمة في الطريق.
2- تعقد مصر والأردن والسلطة الفلسطينية قمة ثلاثية يوم الأحد (13 أغسطس 2023) في مدينة العلمين المصرية، يحضرها رئيس السلطة محمود عباس إلى جانب الزعيمين المصري والأردني. هذه القمة سوف تناقش حسبما يبدو تفاصيل الشق الفلسطيني من الصفقة السعودية الأميركية ومخاوف كل من القاهرة وعمان اللتان تعتبران معنيتان بصورة مباشرة بالشأن الفلسطيني والتنسيق الثلاثي في هذا الصدد.
وكان عباس قد بحث يوم الثلاثاء الماضي مع العاهل الأردني عبد الله الثاني خلال اجتماعهما في عمان، مقترحا أميركيا لعقد اجتماع خماسي جديد (يضم السلطة الفلسطينية والأردن ومصر وممثلين عن الإدارة الأمريكية) مع إسرائيل بحسب ما كشف مسؤول فلسطيني.
3 – فلسطينيا، استبقت السلطة الوطنية هذه التطورات واتخذت إجراءات على الأرض، ربما رغبة منها في إظهار قدرتها على السيطرة على الوضع في المناطق الفلسطينية.
من هذه الإجراءات التوجيهات التي أصدرها رئيس السلطة عباس إلى أجهزة الأمن باستعادة السيطرة الأمنية في بعض المدن الخارجة على السلطة مثل جنين ومخيمها وكذلك نابلس.
كذلك أصدر محمود عباس (10 أغسطس 2023) مرسوما بإحالة عدد من محافظي المدن الجنوبية والشمالية إلى التقاعد. وشمل المرسوم، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، محافظي شمال غزة، غزة، خان يونس، رفح، جنين، نابلس، قلقيلية، طولكرم، بيت لحم، الخليل، طوباس، وأريحا والأغوار.
أخيرا، هل يمكن الجزم بأن الصفقة السعودية الأميركية سوف تتحقق أصلا أو بالطريقة التي يجري الحديث عنها؟
كما هو الحال مع كل شأن يتعلق بالمنطقة تظل الاحتمالات متفاوتة وعرضة أيضا لمختلف التطورات. وهذه الصفقة ليست استثناء في ذلك ولاسيما بالنظر إلى المتضررين منها مثل إيران وميليشياتها في لبنان والمنطقة وكذلك في الأراضي الفلسطينية، إضافة إلى دول أخرى مثل الجزائر وسورية.
هذه الدول لن تقف مكتوفة الأيدي وإنما سوف تسعى بكل ما تملك من أجل إفساد الصفقة ووضع العصي في دواليبها. هل ستنجح في ذلك؟ ليس معروفا بعد كما أن إصرار الأطراف المشاركة فيها وجديتها سوف يلعب دورا كبيرا في تقرير الطريقة التي سوف تتشكل فيها على أرض الواقع.