استراحة المحاربين بين السعودية وإيران!

بقلم/ عمران سلمان – 16 أبريل 2023/

منذ الإعلان عن إعادة العلاقات بين السعودية وإيران (10 مارس) بوساطة صينية، بدأت تظهر ديناميكيات سياسية جديدة في المنطقة، وتحركات دبلوماسية على أكثر من صعيد وبين أكثر من دولة، الأمر الذي دفع العديد من المراقبين للتساؤل عما إذا كنا بصدد اختراق إقليمي رئيسي من شأنه أن يرسي معادلات جديدة في الشرق الأوسط، أم أن ما يجري هو مجرد محاولة للتكيف ليس إلا مع التطورات على الصعيد العالمي، ولا سيما الحرب الروسية على أوكرانيا والتوتر المتزايد بين الصين والولايات المتحدة.

وقد كان لافتا النشاط الذي دب مؤخرا في بعض العواصم العربية للانكباب على معالجة الملفات الإقليمية التي تراكمت في السنوات الأخيرة وشكلت حدودا للصدع الذي لازم العلاقة بين الخصمين الرئيسيين في المنطقة، أي الرياض وطهران.

وفي حين يحتل الصراع مع الحوثيين في اليمن أهمية حاسمة بالنسبة للسعودية بحكم الجوار الجغرافي، فإن معالجة الملف السوري تطوي آخر صفحة ملتهبة من كتاب “الربيع العربي” وتغلق بابا لطالما أطلت منه قوى واتجاهات تعذر على دول المنطقة السيطرة عليها أو التحكم فيها.    

وتظهر الزيارة التي قام بها وفد سعودي برئاسة السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر إلى صنعاء برفقة وفد عماني، حيث جرت محادثات مع المسؤولين الحوثيين هي الأولى من نوعها، أن ملف الحرب ربما كان أخيرا في طريقه إلى الحل.  

لكن يظل التطور الأبرز هو الجهود التي تقوم بها السعودية وكذلك بعض دول المنطقة مثل الإمارات والأردن لاستعادة العلاقات مع سورية والعمل على إعادة تأهيل النظام السوري سواء عربيا أو دوليا.

فقد استقبلت السعودية (12 أبريل) وزير الخارجية السوري فيصل المقداد للمرة الأولى منذ بداية النزاع في بلاده.  

وفي ختام الاجتماعات، أعلنت الرياض أن وزيري الخارجية السعودي والسوري بحثا في “خطوات” إنهاء عزلة دمشق.

وقالت الخارجية السعودية في بيان إن الوزيرين ناقشا “الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي كافة تداعياتها، وتحقّق المصالحة الوطنية، وتساهم في عودة سورية إلى محيطها العربي واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي”.

كما استضافت مدينة جدة السعودية اجتماعا يوم الجمعة (14 أبريل) حضره وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى كل من الأردن ومصر والعراق للبحث في عودة سورية إلى جامعة الدول العربية بعد تعليق عضويتها منذ عام 2012. ويبدو أن الهدف من الاجتماع هو توحيد مواقف هذه الدول قبل انعقاد القمة العربية في السعودية الشهر المقبل.

وبصرف النظر عما إذا كان سيسمح للرئيس السوري بشار الأسد بحضور القمة العربية من عدمه، من الواضح أن السعودية التي دعمت المعارضة السورية في بداية النزاع واستقبلت شخصيات منها، قد بدلت موقفها من الأزمة وهي اليوم تسارع الخطى لاستعادة العلاقات بين البلدين.

والشهر الماضي، أعلنت الرياض أنها تجري محادثات مع دمشق تتعلّق باستئناف الخدمات القنصلية بين البلدين. ولا يستبعد أن يتم الإعلان عن افتتاح السفارات خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة.

وفيما كان المقداد يجري محادثاته في السعودية، كان وفد إيراني قد سبقه بالوصول إلى الرياض لتمهيد الطريق أمام إعادة فتح البعثات الدبلوماسية الإيرانية في المملكة.

وتأتي الزيارة الإيرانية بعد زيارة وفد سعودي مماثل لطهران (8 أبريل) ناقش آليات إعادة فتح بعثات المملكة في إيران، وبعد لقاء وزيري خارجية البلدين الخميس الماضي في بكين حيث تعهدا تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.

ويُتوقع أن تكون الخطوة المقبلة في مسار استعادة العلاقات بين البلدين زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الرياض بعد تلقيه دعوة من العاهل السعودي، على ما أكد مسؤولون إيرانيون، وهي دعوة لم تؤكدها السعودية حتى الآن.

في الواقع هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها العلاقات السعودية الإيرانية تحسنا بعد توترات وعداء مرير، فقد سبق أن مرت هذه العلاقات بفترات من المد والجزر طوال العشرين عاما الماضية، وقد زار الرؤساء الإيرانيون رفسنجاني وخاتمي وأحمدي نجاد الرياض خلال سنوات حكمهم، ووقع البلدان اتفاقية أمنية عام 2001.

لكن هذه العلاقات سرعان ما يعتريها الفتور لأسباب تبدو ظاهريا أن لها خلفيات أمنية أو سياسية، فيما الواقع أنها تعود إلى أيديولوجيتين طائفيتين متباينتين في كلا البلدين، وكل منهما تسعى لتمثيل المجتمعات المسلمة والدفاع عن الإسلام.  

لذلك يظل التحدي الأساسي أمام العلاقات السعودية الإيرانية وما إذا كانت سوف تأخذ منحى مختلفا هذه المرة أم لا، هو الطريقة التي سوف يتعامل معها البلدان مع الاختلافات المذهبية بينهما، وما إذا كان الانفتاح الجديد سوف ينعكس على تخفيف حدة الخطاب الطائفي والتنافس على النفوذ في المنطقة والعالم الإسلامي.

من دون ذلك سوف يكون الانفراج الحالي مجرد استراحة للمحاربين، ريثما تسنح الظروف لاستئناف التنافس والصراع العابر للدول والمجتمعات.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *