نهب الثروات أم الدفاع عن الاستبداد!

بقلم/ عمران سلمان – 10 مارس 2023/

لو راجعنا خطاب القوميين العرب في الخمسينات والستينات سوف تصادفنا بكثرة العبارة الشائعة وهي “نهب الثروات” في إشارة إلى سلوك “الاستعمار” والقوى الغربية في تعاملها مع شعوب المنطقة والشعوب المستعمَرَة عموما آنذاك. هذه العبارة استمر استخدامها  أيضا في العقود التالية في خطاب اليسار العربي وكذلك في خطاب الإسلاميين، وحتى اليوم لا تزال هذه العبارة تتردد في أحاديث العديد من الكتاب والمثقفين كتهمة توجه للدول الغربية ولا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في تعاملها الحالي مع الدول العربية أو دول العالم الثالث مثل أفريقيا، وغيرها. حيث يعتبرها هؤلاء بمثابة نمط من السلوك الذي يحكم العلاقة بين هذه الدول. بل أكثر من ذلك يتم الإشارة إليها غالبا بوصفها سببا من أسباب تخلف دول المنطقة. فالسؤال عن أسباب تخلف هذه الدول عن غيرها وعن ركب الحضارة الحديثة عموما لا بد أن يأتي على ذكر “نهب الثروات” الذي يفترض أنه مورس عليها من أجل إفقارها ودفعها بعيدا عن التقدم الحضاري! كما تشير العبارة التالية وهي شائعة الاستخدام “كان من أهم نتائج الاستعمار الغربي أن الدول الغربية نهبت ثروات الشعوب في آسيا وأفريقيا، فازدادت الدول الغربية غنى بينما ازدادت الشعوب فقرا وجوعا وتخلفا، فمن المؤكد أن التقدم الغربي مصنوع بثروات تم نهبها..”.

ولكثرة ترديد هذه اللازمة عبر السنوات والأجيال لم يعد أحد يتسائل حول معناها أو يشكك في صحتها، بل لا أحد يطرح الملاحظة البسيطة بشأنها وهي: أمن المعقول أن لا ينتهي هذا النهب؟ وما هو الشيء المنهوب الذي يستمر من جيل إلى جيل إلى جيل؟ بل ما هي هذه الثروات التي يجري الحديث عنها أو عن نهبها، والتي تجعل دول العالم الثالث متخلفة بسببها؟ ما هي طبيعتها وما هي قيمتها وأهميتها إن وجدت؟

ولا أحد يتسائل أيضا كيف يمكن لبلدان غنية يبلغ إجمالي ناتجها المحلي السنوي تريليونات الدولارات أن تنهب بلدان لا يتجاوز دخلها السنوي 100 مليار دولار في أفضل الأحوال؟

وغالبا ما يعتبر بيع السلاح الغربي لدول المنطقة نوعا من “نهب الثروات” حيث ينظر فقط إلى الثمن المدفوع لقاء هذا السلاح، ولكن لا أحد ينظر إلى تكلفة تصنيع هذا السلاح والابتكار والجهد والمال الذي استهلكه من أجل أن يصبح منتجا جاهزا!

وهنا أيضا لا يتحدث الكثيرون عن نهب الثروات إذا كان بائع السلاح روسيا أو صينيا، فقط إذا كان غربيا. وكذلك لا يلتفتون إلى حقيقة أن الدول المشترية هي التي تسعى بكل الطرق للحصول على هذا السلاح وتضغط من أجل اتمام الصفقات وتهدد باللجوء إلى مصادر أخرى بديلة في حال رفض طلبها وتعتبر تأخير الموافقة أو المماطلة في بيعها السلاح بمثابة عمل معاد لها.

بعبارة أخرى فإن الدول العربية التي تشتري السلاح من الولايات المتحدة أو غيرها من الدول الغربية تعتبر هذا الأمر حيويا لأمنها ويحقق أهدافها ويصب في مصلحتها، فكيف يتم تصنيفه على أنه “نهب للثروات” من قبل الدول الغربية؟

هذا من الأمور الغريبة العجيبة التي حيرت الأذهان!

ولزمن طويل أيضا اعتبر بيع النفط أو تصديره إلى أوروبا والعالم الغربي نوعا من نهب الثروات. كما اعتبر استثمار الدول الخليجية الثرية في الاقتصادات الغربية هو أيضا نوع من “نهب الثروات”، ولكن يتحاشى هؤلاء وأولئك الإجابة على السؤال التالي: لماذا حافظت دول الخليج بالذات على ثرائها واستقرارها المالي والاقتصادي في الوقت الذي انهارت فيه اقتصادات دول أخرى منتجة للنفط مثل إيران والعراق والجزائر وليبيا وغيرها؟

 إذا كانت الدول الغربية تنهب ثروات دول الخليج، فكيف تمكنت هذه الدول من تنمية صناديقها السيادية واستثماراتها الخارجية وأصبحت تتمتع بمستويات معيشية متقدمة؟

الإجابة التي يكره الكثير من القومجية واليساريين والإسلاميين الإجابة عليها هي أن دول الخليج مزدهرة اقتصاديا وآمنة ومستقرة إنما هو بفضل تحالفها وقربها من الولايات المتحدة والغرب عموما وليس العكس.

ويحاجج البعض بأن هذا التحالف سببه وجود القواعد العسكرية الأميركية في هذه الدول. وليس هناك شك بأن هذه القواعد والتسهيلات العسكرية هي مهمة لمصالح وأمن الولايات المتحدة، ولكنها مهمة على نحو أكبر ومصيري بالنسبة لهذه الدول.. فمن دون الحماية الأميركية والوجود الأميركي من الصعب على هذه الدول أن تحافظ على وجودها وسيادتها واستقلالها!

والواقع أن هذه المسألة لا تصح فقط بالنسبة المنطقة، ولكنها تصح أيضا على مستوى العالم. ولنر حال الدول التي تقيم علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وتلك التي تناصبها العداء، ولن يكون صعبا أن نخرج بنفس الاستنتاج المذكور.   

والواقع أن حجم الفائدة التي تعود على دول المنطقة وغيرها من دول العالم الثالث في علاقتها مع الولايات المتحدة يفوق بكثير ما تحصل عليه هذه الأخيرة، سواء تعلق الأمر بالجانب الاقتصادي أو التنموي أو العسكري، الأمر الذي يجعل مقولة “نهب الثروات” هي مجرد خرافة ودعاية أطلقها ويواصل استخدامها المدافعون عن أنظمة الاستبداد السياسي والقومي والديني، ممن يرون في النموذج الغربي تهديدا لهم!

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *