بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 23 ديسمبر 2022/
قمع النساء واضطهادهن، وإرهاب المخالفين وقتلهم، والتفنن في وضع القوانين والعقوبات المقيدة للحريات وإهدار الحقوق والإذلال المنهجي للبشر والشجر والحجر هي بعض ثمار الدولة الدينية التي أقامتها حركة طالبان في أفغانستان.
وآخر هذه الثمار هي قرار الحركة إغلاق الجامعات الحكومية والخاصة أمام الفتيات والنساء في عموم البلاد وذلك بعد إغلاق المدارس المتوسطة والثانوية أمام الفتيات.
لا توجد مفاجآت هنا. وما تقوم به حركة طالبان ضد النساء هو أمر متوقع بالنظر إلى المرجعية الدينية التي تعتمدها والثقافة القبلية التي جاءت منها.
الواقع أن الغالبية العظمى للدول التي قامت على أساس الدين أو تبنى الحاكمون فيها عقيدة دينية انتهت إلى هذا الشكل من الممارسات. الاختلاف فيما بينها هو فقط في الدرجة وليس في النوع.
مع ذلك هناك من يروّج للدولة الإسلامية والحكم الإسلامي بوصفه الحل وهناك من يقتل الناس ويرهبهم من أجل هذا النوع من الحكم.
والأمر لا يقتصر على حفنة من التنظيمات الإرهابية، ولكنه يمتد إلى قطاعات لا بأس بها من المسلمين، الذين لا تزال دعاية الإسلام السياسي قادرة على إقناعهم بأن الدين والسياسة يمكن أن يجتمعا تحت سقف واحد وأن الدولة الحديثة يمكن أن يقودها رجل دين وأن الدستور لا بد أن ينص على دين للدولة وأن النصوص الدينية هي المصدر الرئيسي للتشريع.. إلخ.
هذه الإشكالية الكبرى هي التي تجعل نظاما مثل طالبان ممكنا في هذا العصر، وهي التي تمنع معظم الدول العربية والإسلامية من إبداء الاستنكار والتنديد بما تقوم به طالبان، والاكتفاء بالتعبير عن القلق أو الأسف. (حتى كتابة هذا المقال رفضت كل من تركيا والسعودية وقطر قرار طالبان وأعربتا عن استغرابهما وأسفهما لصدوره، فيما استنكرته منظمة التعاون الإسلامي).
رغم أن الأمر هنا ليس متعلقا بإجراء سياسي أو عسكري أو متصلا بقضية جدلية ما، ولكنه يتعلق بحرمان نصف المجتمع الأفغاني من التعليم والعمل وإعادة عقارب الساعة في هذا المجال نصف قرن على الأقل للوراء، وبهذا المعنى فإن ما تفعله حركة طالبان لا يختلف كثيرا عن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.
لحسن الحظ، لم تتوقف دول العالم المتحضرة عن التنديد بقرارات طالبان وإجراءاتها ضد النساء، ولم توفر عقوبات يمكن فرضها على الحركة إلا وفرضتها. فيما أكدت البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة أنه لا يمكن أن تكون طالبان “عضوا شرعيا في المجتمع الدولي حتى تحترم حقوق كل الأفغان وخاصة النساء”.
لكن طالبان لم تتراجع عن نهجها ولا يبدو أنها سوف تفعل. فيما أقرب حلفائها مثل الباكستانيين والقطريين لا يزال يحدوهم الأمل بأن ينصلح حال الحركة.
الواقع أن التنديد والإبقاء على العقوبات وتوسيعها هو أمر مطلوب، والخطة الأوسع ينبغي أن تكون هي عزل حركة طالبان ومعاملتها ككيان منبوذ وغير شرعي وخارج إطار الشرعية الدولية. كما يجب ممارسة الضغط على الحكومات المتحالفة مع طالبان وخاصة الدوحة وإسلام أباد لإنهاء دعمهما للحركة والانسجام مع مواقف المجتمع الدولي في هذا الإطار.
إن المشكلة هي ليست فيمن يسيطر على الحكم في أفغانستان، فهذا الأمر يعود للأفغان أنفسهم، ولا يمكن لأحد أن يقرره بدلا عنهم، لكن من المعيب أن يجد العالم نفسه في وضع يضطر فيه للتعامل مع حركة دينية رجعية ومتخلفة تتحكم في شعب بأكمله وعلى نحو تنكر عليه أبسط حقوق الإنسان مثل التعليم وتصادر أبسط حرياته في العيش الطبيعي والكريم.
هذا الواقع المظلم لأفغانستان تتداعى فصوله أمام أنظار العالم كله والذي يصاب بالاندهاش الشديد ولا يستطيع أن يستوعب باسم أي دين وأي ثقافة يمكن أن تحرم طفلة من الالتحاق بمدرستها المتوسطة أو الثانوية، وما هو الضرر الذي يمكن أن ينتج عن تعليم الفتيات!
أقول إن المسألة هنا تجاوزت السياسة وبات من الضروري أن تدق الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى ناقوس الخطر وأن تتم محاسبة نظام طالبان على سياساته وممارساته القروسطية تجاه الأفغان، وأن الأمر لا يتعلق بخصوصية أو اختلاف ثقافي مزعوم، ولكنه يتعلق بحقوق أساسية للبشر مثل التعليم والعمل وحرية الحركة والتنقل واختيار الزي وما شابه.
وهي الحقوق التي تبدو بديهية في معظم دول العالم، ولكنها حلم بعيد المنال بالنسبة لنساء وفتيات أفغانستان، هذا البلد المنكوب.