معنى الحياة!

بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 16 ديسمبر 2022/

هل يوجد معنى للحياة؟ الإجابة ببساطة هي كلا. هذا لا يعني أن الحياة لا معنى لها، ولكنه يعني أن “المعنى” المسبق أو القبلي أو الموضوع سلفا (كما في حالة الأديان) لا وجود له. وأن الإنسان هو الذي يضع معنى لحياته في كل دقيقة وكل يوم من عمره عبر كل خيار يتخذه أو قرار يتبعه. وهذه عملية مستمرة.

ولو نظرنا للأشياء من حولنا سنجد أيضا أنه لا توجد لها معان إلا تلك التي نعطيها نحن لها. والأمر هنا يشبه التسميات التي نطلقها على الأشياء. فالتسميات لم تنشأ مع تلك الأشياء، ولكن الإنسان هو الذي اخترعها وأعطاها إياها، ولو نزعنا التسميات عنها لما تغير فيها شيء.

ومع ذلك نصاب بالمفاجأة أحيانا حين نقرأ أو نسمع من يقول بأنه لا يوجد معنى للحياة. ولا نكاد أن نتصور بأن تخلو الحياة من معنى وإلا كيف نعيشها وماذا نفعل طوال سنوات حياتنا وما هو المغزى من كل هذا الوجود؟

والإنسان معذور حين يفكر على هذا النحو. فالعلة والسبب هما من أكثر الروابط منطقية بالنسبة للعقل البشري، وكل ما يخالفهما أو يناقضهما يبدو مستغربا ومفارقا للمنطق.

وفي الأحوال العادية يتعامل الإنسان مع الحياة كما لو أنها منفصلة عنه. فهو يتصور أن هناك “إنسان” وهناك “حياة”. وهو يتحدث طوال الوقت عن الحياة بضمير الغائب “هي” كما لو أنها توجد في حيز آخر مختلف عن وجوده هو نفسه. وهذا من أثر التنشئة والتكييف العقلي.

لكن الواقع أنه لا توجد حياة خارج الإنسان، بمعنى أن الحياة والإنسان مرتبطان على نحو لا يمكن الفصل بينهما، والحياة بالنسبة له تنتهي بمجرد موته، وهي لها معنى ما دام أنه موجود فيها. وهذا الارتباط بين الإنسان وحياته هو الذي يجعل من الممكن له أن يعطيها معنى. ومن دون ذلك فلا معنى لها.

لكن كيف يعطي الإنسان معنى للحياة؟

هو في الواقع لا يعطي معنى للحياة، هو يعطي معنى لأفكاره وأقواله وأفعاله وتصرفاته مع الوقت. بمعنى أن طريقة تفكيره والكلام الذي يصدر عنه والأفعال التي يقوم بها كلها تحدد تصور الإنسان وماذا يريد وما يهدف إليه، وهذه العملية تحدد الغاية التي يضعها لنفسه أو ما يمكن أن نسميها مجازا غايته في الحياة.

والإنسان حين يفعل ذلك فهو يحدد موقفه من نفسه ومن الأشياء من حوله، بما في ذلك العوالم الكثيرة المحيطة به. وهذه العملية تحدث مع كل فكرة وكل خاطرة تمر بالإنسان، كما لو أنه يخلق نسخا جديدة من نفسه على نحو مستمر.

وهذه النسخ قد تكون مختلفة كثيرا أو قليلا في كل مرة، لكنها تجسد المعنى الذي يعطيه الإنسان لحياته، ويكون هو بذلك الخالق الفعلي لواقعه حتى من دون أن يسمي ذلك خلقا.

كثيرون لا يتصورون هذه العملية، مع أنهم يقومون بها في كل لحظة من لحظات حياتهم، لأنهم تعودوا أن ينظروا إلى السماء بدلا من أن ينظروا إلى أنفسهم.

بل لعله من النادر أن ينظر الإنسان إلى نفسه، لأنه حينها سوف يضطر إلى تحمل مسؤولية حياته بما تشمله من خيارات وقرارات. والإنسان بطبيعته لا يطيق ذلك، إذ من الأسهل دائما أن نترك المسؤولية إلى آخرين يحددون لنا ما يجب أن نفعله وما لا يجب. ومن ضمن ما يتم تحديده هو: معنى الحياة.

بيد أن أسوأ ما في الأمر هنا هو أن هذه المسألة ليست نتاج اقتناع معقول، ولكنها نتاج التلقين الذي يحصل للطفل من قبل البالغين، ولأن أجهزة الطفل الدفاعية في هذه السن ضعيفة جدا وغير قادرة على رد الحجة أو تفنيد الرأي أو إبداء الاعتراض، فإن الأفكار والآراء العادية تتسرب إليه بسهولة شديدة ثم تتحول فيما بعد إلى “قناعات” و”مبادئ” وربما “مقدسات” أيضا. والأدهى من ذلك أنه يتم تطوير ميكانيزمات وطرق لإقناع الطفل عندما يكبر بأنه قد توصل إلى كل ذلك عن طريق تفكيره المحض وعقله وأن الأمر لا يحتاج سوى النظر والتدبر!

أقول إن هذه مجرد حيل لا أكثر ولا أقل، بينما التحدي الحقيقي كان ولا يزال وسيظل هو القيام بعكس هذه العملية، أي الذهاب إلى البداية حيث الصفحة البيضاء وفحص ومساءلة ما غرسه البالغون في نفس الطفل وعقله من “قناعات” و”مبادئ” و”مقدسات” بتجرد قدر الإمكان. ثم إجراء سيناريوهات موازية والنظر في الاحتمالات الأخرى التي كان يمكن أن تحدث، وهي احتمالات لا نهاية لها تقريبا.

بهذه الصورة يعطي الإنسان معنى لحياته حيث تعذّر أن يكون للحياة معنى!

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *