بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 14 أكتوبر 2022/
ليس من الصعب ملاحظة حالة الصمت الملفع بالإحراج التي تلف بعض وسائل الإعلام وبعض النخب السياسية والثقافية العربية تجاه ما يجري في إيران من احتجاجات دخلت أسبوعها الرابع، رغم أن هذه الجهات نفسها لطالما تباكت وأبكت غيرها على لبن “الربيع العربي” المسكوب!
لا يخفى أن هناك إحراج عام، فمن جهة سوف يعتبر دعم الاحتجاجات وقوفا ضد النظام الإيراني الذي تقوم بضاعته على معاداة الولايات المتحدة وإسرائيل، وبالتالي انتصارا لهاتين الدولتين، وهذا أمر لا تستسيغه الجماعات الإسلامية وبعض القوميين وبعض السلطات العربية.
ومن ناحية أخرى تجد هذه الجهات الكثير من الحرج إن هي حاولت الدفاع عن النظام الإيراني وأجهزته القمعية في وجه المحتجين السلميين، لذلك فهي تؤثر الصمت إلى حين انجلاء الموقف!
لكن ما الذي سوف يحدث لو قدر للاحتجاجات الشجاعة والمنقطعة النظير التي تساهم فيها الإيرانيات هذه المرة بقسط وافر وأساسي في الإطاحة بالنظام الديني القرووسطي المتخلف؟
لنا أن نتخيل هذا السيناريو لنرى حجم الفائدة التي سوف تعم إيران والمنطقة وربما العالم أيضا.
ففي إيران يعني سقوط هذا النظام إزاحة كابوس جثم على صدور الشعب لأكثر من أربعين عاما، وبالتأكيد هناك الكثير من الإيرانيين يندمون اليوم لأنهم أعطوا الخميني الموافقة على دستور يفرض “الشريعة الإسلامية” بما في ذلك إلزامية الحجاب.
وفي الإقليم المجاور، أي الخليج سوف تتنفس الحكومات الصعداء لأنه لن يتعين عليها أن تواجه الخطط والمؤامرات الخبيثة للنظام الإيراني والهادفة إلى زعزعة الأمن والاستقرار في هذه الدول.
وأما المجتمعات المحلية وخاصة الشيعية منها فسوف تشهد تراجعا واضحا للأيديولوجية الدينية بين جنباتها، الأمر الذي يجعلها تستعيد حيويتها وتعظيم اندماجها المجتمعي.
وفي المنطقة بشكل عام، سوف تفقد الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية مثل تلك الموجودة في العراق وحزب الله اللبناني وحركة حماس والجهاد الإسلامي والحوثيين وغيرهم الداعم والممول لهم، وهذا سوف يحرر المجتمعات التي تسيطر عليها هذه الميليشيات، ويجعل منسوب الإرهاب ينحسر بصورة ملحوظة في المنطقة.
وبالتالي، و المجمل العام فإن شكل المنطقة سوف يتغير باختفاء النظام الإيراني، وهنا علينا أن نتذكر أن الثورة الإيرانية جلبت معها ما عرف بـ “الصحوة الإسلامية” وبالتالي فإن معظم مظاهر الردة الحضارية اليوم في المجتمعات العربية والإسلامية تدين بقسط وافر إلى تلك الثورة.
ولعل الحجاب الذي تثور الكثير من الإيرانيات ضده اليوم، كان هو أحد الثمار المرّة لتلك الثورة، فقبلها لم يكن له من أثر، أو بالأحرى لم يكن سلاحا في يد جماعات الإسلام السياسي مثلما هو الحال الآن.
وعليه، فإن الإيرانيين والإيرانيات، بما في ذلك طلاب وطالبات المدارس والجامعات الذين يواجهون بصدور عارية أجهزة القمع الإيرانية، هم في الواقع يقدمون خدمة جليلة للبشرية جمعاء.
فتغيير النظام الديني القرووسطي المتخلف في إيران هو خدمة للإنسانية وللسلام والاستقرار في المنطقة والعالم.
ويمكننا أيضا أن نضيف إلى ذلك أنه خدمة لقيم الحداثة والمنطق العلمي، حيث إن النظام الإيراني شجع وبصورة حثيثة الخرافات ونظريات المؤامرة، وهو في حد ذاته يقف دليلا واضحا على أن النكوص باتجاه أشكال الحياة الأكثر تخلفا واستبدادا باسم الدين هو أمر ممكن، لاسيما في هذا الجزء من العالم.
وعلينا ألا ننسى أن دولة داعش التي أقامها التنظيم الإرهابي في أجزاء من العراق وسورية كان يمكن لها أن تنتصر وتعم المنطقة لولا عزيمة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وعزيمة العراقيين والأكراد التي وضعت حدا لهذه الدولة ووأدتها في مهدها، وكان هذا من حسن حظنا جميعا.
ويبقى أن أقول إن مشكلة النظام الإيراني لا تكمن فقط في الاستبداد السياسي، رغم أهمية ذلك، فهو من هذه الناحية لا يختلف عن سواه من الأنظمة في المنطقة سوى في الدرجة فقط.
فالاستبداد هنا هو القاعدة وليس الاستثناء، إذ تغذي الثقافة السائدة والدين بيئة العنف في المنطقة على نحو مستمر ومتصاعد.
لكن مشكلة النظام الإيراني الكبرى هي أنه يجمع إلى الاستبداد السياسي الاستبداد الديني أيضا، أو بصورة أدق الاستبداد باسم الله أو باسم الدين، وهذه مشكلة حقيقية في عالمنا المعاصر.
إنها تشبه دخول الفيل إلى متجر الخزف، فهو لابد أن يكسر بعض الخزف حيثما تحرك، وربما قد يدمر المتجر بأكمله.
إن وجود نظام ثيوقراطي إلى جانب الاستبداد السياسي ينتج وصفة مسمومة للمجتمع بأكمله، والنظام الإيراني أسس للاستبدادين، واحد باسم الطائفة وآخر باسم الثورة، ليمسي حكما مطلقا، تتغير الوجوه فيه دون أن يتغير جوهره أو خطابه.
ولذلك، فإن تغييره يعطي دفعة متقدمة لجميع المفاهيم والقيم المعاكسة له.