بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 21 أكتوبر 2022/
تكرار حوادث القتل في بعض البلدان العربية والتي تذهب ضحيتها فتيات على أيدي شباب لمجرد أنهم تقدموا للزواج وتم رفض طلبهم، يثير علامات استفهام كبيرة بشأن طبيعة ودوافع هذه الحوادث التي تكاد أن تصبح ظاهرة عربية وهي بالتأكيد بحاجة إلى دراسة نفسية واجتماعية.
آخر هذه الحوادث قيام شاب مصري بخنق خطيبته حتى الموت أمام المارة في إحدى مناطق محافظة بورسعيد لأنها لم توافق على الزواج منه بعد أن علمت بأنه متزوج ولديه طفلة.
وكذلك في الجزائر حيث تعرضت شابة تبلغ من العمر 28 عاماً، من ولاية تيزي وزو، شرقي العاصمة، إلى الحرق عل يد جارها بعد أن رفضت الزواج منه.
وسبق هاتين الحادثتين مقتل العديد من الفتيات بطرق مختلفة، ولكن للسبب نفسه وهو أنهن أردن أن يمارسن حرية الاختيار وأن يحتفظن بحقهن الطبيعي في اختيار شريك الحياة.
فهل نحن إزاء ثقافة جديدة تعطي الرجل والشاب الحق في أن يتزوج بالإكراه وتحت طائلة التهديد بالقتل؟ أم نحن إزاء خبل مجتمعي، يسمح للأفراد بأن يتصوروا بأنهم قادرون على فعل أي شيء إذا تعلق الأمر بالمرأة بما في ذلك مصادرة حقها في الحياة؟
بطبيعة الحال يبقى السؤال هو كيف يمكن لإنسان أن يرتكب جريمة قتل يعرف أن مصيره فيها قد يكون الإعدام، رغم أن حياته لم تكن معرضة للخطر. وما هو الرابط بين حوادث قتل النساء والمستمر منذ مدة من الزمن؟
الملاحظ أنه في جميع هذه الحوادث تقريبا كان التخطيط المسبق والتهديد بالقتل واضحا ومعلنا، ما يعني أن النية والدافع وكذلك الفعل نفسه لم يكن مجهولا.
فما الذي يجعل شابا يهدد فتاة بالقتل لإنها رفضت الاقتران به؟ هل هي الرغبة في التملك والاستحواذ أم هي النظرة الدونية للمرأة أم هي القناعة بأنه قد يفلت من العقاب لأي سبب من الأسباب؟
الإجابة على هذه الأسئلة ربما تكشف لنا جانبا مهما من الثقافة المجتمعية القائمة على تمجيد العنف والبلطجة والآخذة في التشكل في بعض المجتمعات العربية والتي ترى في التحرش بالنساء أمرا طبيعيا بسب وجود المرأة في الشارع أو خارج المنزل عموما، كما ترى في النساء مشروع غواية دائم ينبغي السيطرة عليه.
وحين تتداخل هذه الثقافة مع موقف الدين من المرأة والذي يجعلها في نهاية المطاف وسيلة إمتاع للرجل، وجائزة لجهاده في الدنيا (السبايا والإماء) وفي الآخرة (الحور العين)، من السهل أن نفهم العقلية الجمعية المتراكمة التي خلقت نظرة الرجل العربي والمسلم للمرأة والتي شكلت الفضاء الذي سمح ويسمح بحدوث هذه الموجة من قتل النساء.
هناك بالطبع من سوف يتبرع بالقول إن هذه الجرائم تحدث في كل مكان وزمان، وأنه ليس من الغرابة أن تحدث في بعض المجتمعات العربية، وبالتالي لا داعي لتضخيم الأمور. وهذا كلام قد يبدو صحيحا في الظاهر لكنه في الحقيقة ليس كذلك. وفي حين أن حوادث القتل تحدث بالطبع في كل زمان ومكان، إلا أن قتل النساء بسبب رفضهن الزواج وكذلك في إطار ما يعرف بجرائم “الشرف” هو اختراع اختصت به بعض المجتمعات العربية وملكت ناصيته الإجرامية. إذ لا يوجد بحسب علمي مجتمع آخر يبيح أو يشجع على قتل المرأة على هذا النحو.
الأمر الغريب أن قتل النساء يحدث في مجتمعات عربية معينة، بينما ينعدم تماما في أخرى. فهل ثمة تفسير لذلك؟ لا أدري.
وبحسب معلوماتي لم تسجل في أي دولة خليجية جريمة قتل لامرأة واحدة سواء بسبب الزواج أو ضمن جريمة شرف، من دون أن يعني ذلك بالطبع أن النساء الخليجيات لا يعانين من مشاكل أخرى تتعلق بالحرية الشخصية والطلاق والحضانة وما شابه. هن يعانين وحالهن في هذا حال باقي النساء العربيات.
يبقى القول إن قضية قتل النساء على هذا النحو العنيف ولأية أسباب كانت، هي قضية تنبئ بوجود مشكلة مجتمعية أكبر، تتعلق بثقافة العنف والنظرة إلى العنف بوصفه وسيلة مقبولة للتعامل مع الآخر وخاصة إذا كان موجها ضد الحلقات الأضعف في المجتمع.
والمفارقة المؤسفة هنا هي أنه في الوقت الذي يعتبر فيه الكثيرون أن النهوض بواقع المرأة العربية هو أحد الشروط الضرورية للنهوض بهذه المجتمعات، يحدث العكس تماما.. المزيد من الارتكاس والمزيد من حوادث القتل!