بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 26 أغسطس 2022/
تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بشأن الهولوكوست خلال زيارته الأخيرة لألمانيا، جاءت مفارقة لكل منطق، فضلا عن كونها غير لائقة وغير صحيحة، ويبدو أن الهدف منها، إذا استبعدنا كونها زلة لسان أو بسبب عامل السن، هو محاولة رفع أسهم السلطة المتهاوية ولو كان ذلك عبر التنافس على الأسوأ.
من يتابع الواقع القائم على الأرض ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين يلاحظ بوضوح أن خطاب السلطة والفصائل الأخرى في واد ومصالح الناس في واد آخر.
ما يبدو واضحا أن حجم المصالح الاقتصادية والتشابك الديمغرافي والجغرافي آخذ في إنضاج ديناميكية جديدة تضع الأسس لحل الدولة الواحدة ضمن كيان واحد أو كيانين أو أية صيغة أخرى مشابهة، لكنها تستبعد إمكانية إنشاء دولتين ما بين البحر والنهر.
وهناك مؤشرات كثيرة تدل على أن مقاربة البعد الاقتصادي واتخاذ خطوات لتحسين حياة الفلسطينيين قد يكون عاملا مساعدا لإنضاج أي حل سياسي في المستقبل.
من بين هذه الخطوات افتتاح مطار رامون في جنوب إسرائيل لسفر فلسطينيي الضفة للخارج بدلا من ذهابهم إلى الأردن وتكبدهم مشاق الانتظار على المعابر والبقاء في الأردن نفسه الأمر الذي يرتب عليهم أعباء مالية إضافية.
وقد انطلقت أول رحلة من المطار يوم الاثنين (22 أغسطس 2022) وعلى متنها 40 فلسطينيا وهي تابعة لشركة “أركيع” التي غادرت مطار رامون متوجهة إلى لارنكا القبرصية، بحسب متحدثة باسم هيئة المطارات الإسرائيلية. وكانت السلطات الإسرائيلية قد أشارت إلى أن الرحلات التجريبية للفلسطينيين سوف تشمل تركيا بصورة أساسية.
الأمر الملفت أن ذلك يحدث رغم رفض السلطة الفلسطينية استخدام الفلسطينيين لهذا المطار. لكن يبدو أن المسافرين الفلسطينيين يعرفون الفرق بين الخيارين من خلال التجربة العملية وليس الكلام الملقى على عواهنه.
وجاء في استطلاع للرأي أجراه ناشطون فلسطينيون على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا أن ثلثي عدد المشاركين (عدد التعليقات بلغ 300 تعليق تقريبا) يفضلون استخدام المطار الإسرائيلي رغم بعد المسافة، وتحديدا عن المناطق في شمال الضفة الغربية، مثل جنين وطولكرم.
طبعا الأردن الذي يتوقع أن تكبده هذه الخطوة خسائر اقتصادية، ثارت ثائرته وصب جام غضبه على السلطة الفلسطينية وإسرائيل، لكن مشكلته أنه لا يستطيع أن يفرض رأيه على الفلسطينيين، والشيء الوحيد الذي يستطيع عمله هو أن يسعى للتنافس مع المطار الإسرائيلي عبر التسهيل على الفلسطينيين في سفرهم للخارج، ولكن هذا لن يحدث لأن فاقد الشيء لا يعطيه!
حدث آخر يصب أيضا في نفس الإطار تقريبا وهو الإضراب الذي نفذه يوم الأحد (21 أغسطس 2022) العمال الفلسطينيون الذين يعملون في إسرائيل، وذلك احتجاجا على قرار تحويل مستحقاتهم المالية عبر البنوك الفلسطينية بدلا من استلامها نقدا كما هو المعمول به حاليا.
ويكشف الإضراب الذي شارك فيه بحسب التقديرات الأولية أكثر من 60 في المئة من مجموع هؤلاء العمال الذي يقدر عددهم الإجمالي بحوالي 150 ألف عامل، حالة كبيرة من عدم الثقة بالحكومة الفلسطينية ومؤسساتها المالية.
ورغم مسارعة كبار المسؤولين الفلسطينيين إلى التأكيد بأن تحويل أجور العمال إلى البنوك الفلسطينية لن يترتب عليه أي ضرائب من قبل الحكومة، لا ضريبة دخل ولا ضريبة قيمة مضافة، إلا أن ذلك لم يبعث بأية تطمينات لهؤلاء العمال الذين تتملكهم المخاوف بأن ينتهي الأمر بهم فجأة إلى فقدان جزء أو كل هذه الأموال والمدخرات.
هذان المثالان إذا كانا يقولان شيئا فهو أن مصلحة الفلسطينيين الفعلية تكمن في تعزيز العلاقة مع إسرائيل وليس الانفصال عنها، والشراكة مع الإسرائيليين وليس الحرب معهم، وهذا يعني أن أية حلول للنزاع ما بين الجانبين ينبغي أن تنطلق من هذه الأرضية.
فلو قدر للفلسطينيين أن ينفصلوا فإن وضعهم لن يكون بأفضل من حال الضفة الشرقية المجاورة، أي الأردن، أو ربما لبنان وكلا البلدين فاشلان بامتياز ولا أمل في إصلاحهما!
والخلاصة هي أن تعزيز المصالح الاقتصادية والتعاملات المشتركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين من شأنه أن يمنح بعض الثقة للإسرائيليين وفي الوقت نفسه يحسن من حياة الفلسطينيين وكذلك مجتمعاتهم وهذا سوف يجعلهم مع الوقت يستثمرون في السلام والعلاقات المتبادلة بدلا من العنف والإرهاب. يظل قول ذلك بالطبع أسهل من تطبيقه، كما أن حدوثه ليس أمرا مضمونا، لأن المستفيدين من الوضع الحالي كثيرون، وهم يقفون بالمرصاد لأية محاولة لا تصب في مصلحتهم، لكن العامل الاقتصادي ومصلحة الإنسان العادي هي التي سوف تحدد في نهاية المطاف طبيعة الحل ومستقبل العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.