بقلم/ عمران سلمان – قنتاة الحرة – 11 أغسطس 2022/
تضاف العملية العسكرية الأخيرة في قطاع غزة إلى العمليات التي حققت فيها إسرائيل نجاحا ملحوظا ضد جماعة فلسطينية إسلامية مسلحة، حيث أنجزت أهدافها ولم تؤد إلى سقوط عدد كبير من الضحايا بين المدنيين بحيث بدت أشبه بالعملية الجراحية الدقيقة. ولذلك أيضا لم يتسن للناشطين حشد الرأي العام العربي أو الدولي ضد إسرائيل التي سارعت إلى الموافقة على إنهاء القتال خلال ثلاثة أيام فقط.
ومن الناحية العسكرية يبدو أن حركة الجهاد الإسلامي التابعة لإيران قد فوجئت بهذه العملية، ولم تتمكن من حماية قادتها الميدانيين، حيث قتل عشرة منهم على الأقل، بما في ذلك قائدي المنطقتين الشمالية والجنوبية لقطاع غزة. ورغم إطلاق مئات الصواريخ والقذائف على أهداف داخل إسرائيل، إلا أن حركة الجهاد لم تحقق شيئا تقريبا، إذ اعترضت القبة الحديدية الغالبية الساحقة من الصواريخ التي كانت موجهة نحو المدن والبلدات الإسرائيلية، وما تبقى سقط إما في مناطق غير مأهولة أو داخل غزة نفسها.
أيضا من المهم رصد حدث كان مثارا للاستغراب وهو أن حركة حماس يبدو كما لو أنها قد اقتنعت بالخطاب الإسرائيلي الذي حصر القتال مع الجهاد الإسلامي ولذلك فهي لم تتدخل في المعارك.
بعبارة أخرى فإن إسرائيل نجحت في القضاء على قيادة أركان حركة الجهاد من دون أن تتكبد أية خسائر. ولو قدر للمعارك أن تستمر فربما أمكن تصفية المزيد من النشطاء الميدانيين للحركة، لكن إسرائيل ربما كانت ستغامر بسقوط المزيد من الضحايا وربما أيضا إحراج حماس للدخول في القتال. لذلك فقد اتسم قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد بالموافقة على وقف القتال بالحكمة.
لكن من الناحية الأخرى يمكن القول إن ما جرى كان مجرد إزاحة تكتيكية موفقة قد لا يكون لها مردود استراتيجي كبير.
فقطاع غزة يظل مشكلة لإسرائيل ومشكلة للفلسطينيين أيضا.
فهذا القطاع الذي تبلغ مساحته حولي 365 كلم مربع ويسكن فيه حوالي مليونين نسمة موزعين على خمس محافظات، هو خاضع بشكل كلي لحكم حركة حماس ولا يوجد ما يشير إلى أن هذا الواقع سوف يتغير في المستقبل المنظور. على العكس من ذلك يبدو أن الضفة الغربية تتجه هي الأخرى إلى أن تصبح تحت سيطرة حماس. ولو أجريت انتخابات فلسطينية فالراجح أن مسلحي الحركة سوف يفوزون فيها، وحتى أولئك الذين لا ينتمون إلى حركة حماس تنظيميا ويحملون أسماء أخرى، فالكثير منهم في الواقع يشاطر حماس نفس الفكر والعقيدة والتوجهات. وعدم إجراء الانتخابات لا يعني أن الضفة سوف تبقى تحت سيطرة فتح إلى الأبد. فليس هناك ما يمنع من تكرار السيناريو الذي حدث في غزة عام 2007 والذي بموجبه قامت حماس بتصفية وجود فتح بالقوة وأحكمت سيطرتها العسكرية والسياسية على القطاع. وحتى الآن فإن العائق الفعلي الوحيد أمامها للسيطرة على الضفة الغربية هو إسرائيل والتي تقوم أجهزتها الأمنية بصورة دورية بالقضاء على العناصر المسلحة الأكثر خطورة وعنفا، فضلا عن الاعتقالات في صفوف نشطاء حماس والجهاد وغيرهم من الفصائل المتشددة. ولو خففت إسرائيل من قبضتها على الضفة لابتلعتها حماس والفصائل المتحالفة معها بكل بسهولة.
بكلام آخر فإن إسرائيل مهما حققت من خطوات أمنية أو عسكرية فإنها سوف تظل تواجه وضعا فاشلا متحققا في غزة وآخر منتظرا في الضفة الغربية. وهو فشل يحاكي الفشل الاقتصادي والسياسي في الدول العربية المجاورة لإسرائيل.
وحتى الآن سعت الحكومة الإسرائيلية إلى التخفيف من حدة الأوضاع المعيشية التي يعاني منها الفلسطينيون عبر منح المزيد من تصاريح العمل لهم وتسهيل دخول البضائع والمساعدات الأخرى إلى مناطقهم.
لكن هذه مجرد خطوات تسكينية، فالمشكلة تظل قائمة، وهي في انسداد أفق السلام من جهة ومن جهة أخرى وقوع المجتمع الفلسطيني رهينة للميليشيات الإسلامية المسلحة وكذلك العصابات الأمنية. ولا توجد بارقة أمل في أن يتمكن الفلسطينيون في أي وقت قريب من إنشاء مؤسسات مدنية حقيقية يمكن أن تشكل نواة لدولتهم المستقبلية. بل أن هذا الهدف يبتعد أكثر فأكثر مع استمرار سيطرة الميليشيات المسلحة وشيوع الأفكار الدينية المتطرفة والاستسلام لواقع انعدام الأمن والاستقرار الاقتصادي والمؤسساتي بين الفلسطينيين.
وهذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه إسرائيل اليوم وفي المستقبل أيضا في التعامل مع قطاع غزة والضفة الغربية.