بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 29 يوليو 2022/
كثيرون ينتقدون فرنسا لأنها تمنع لبس الحجاب في المؤسسات وأماكن العمل التابعة للدولة، لكنهم بالكاد يتذكرون أن إيران تفرض الحجاب قسرا وبصورة إلزامية على جميع النساء منذ عقود.
مع الفارق أنه في حالة فرنسا فالمنع يطال فئات معينة من النساء وليس جميع النساء كما أنه محصور في مؤسسات الدولة فقط وليس في الفضاء العام، بالتالي فالأمر يحتمل النقاش، بينما في إيران يتعين على جميع النساء أن يلبسن الحجاب في أي مكان خارج المنزل، ومن لا تفعل تتعرض للعقاب وربما ما هو أسوأ من ذلك على أيدي عصابات شرطة الأخلاق والموتورين ومن شابههم من أجهزة ومؤسسات قمعية.
بالطبع هناك إيرانيات مقتنعات بلبس الحجاب وهناك أيضا إيرانيات لا يعارضن لبسه، لسبب أو لآخر، لكن يوجد كذلك إيرانيات لا يردن هذا الحجاب، بل ويعتبرنه شيئا بغيضا ولا يفهمن كيف يمكن للسلطات الإيرانية أن تبرر فرضه في هذا العصر الذي نعيش فيه.
ولذلك ينتهزن كل مناسبة تتاح لهن لتذكير هذه السلطات وتذكير العالم أيضا بأنه ليس جميع الإيرانيين يتفقون مع التوجهات الدينية للسلطة، وإنه حين يتعلق الأمر بالنساء فإن يتعين احترام إرادتهن ومنحهن حرية الاختيار بصورة تحفظ الكرامة والإنسانية.
في 12 يوليو الماضي استجابت العديد من الإيرانيات لنداء نشطاء وجمعيات حقوقية تحث النساء في جميع أنحاء البلاد على نشر مقاطع فيديو لأنفسهن يخلعون الحجاب في الأماكن العامة بالتزامن مع ما يعرف في إيران بـ”يوم الحجاب والعفة”.
وبالفعل قامت عشرات النساء ورغم خطر الاعتقال بتسجيل مقاطع فيديو في الحدائق وشوارع المدن وحتى على الشاطئ يظهرن فيها دون حجاب وبعضهن يرتدي قمصاناً صيفية وسراويلاً قصيرة.
هذه الوقفة الاحتجاجية لم تكن ضد الحجاب نفسه، ولكنها كانت ضد جعل ارتدائه إجباريا من قبل السلطات الإيرانية. وهذا فارق جوهري. فالأصل أن الحجاب أو أي لباس آخر هو حرية شخصية، ولا يجوز التعلل بالنصوص الدينية أو غير الدينية لفرضه. والحرية هنا هي ليست في لبسه فقط ولكن في عدم لبسه أيضا.
وهذا يعني عدم فرضه على الطفلات والمراهقات وترك حرية الخيار في لبس الحجاب من عدمه لهن بمجرد أن يبلغن السن القانونية. لأن فرضه في تلك السن الصغيرة هو بمثابة مصادرة لخيار الفتاة وسلب حريتها في الاختيار لاحقا. والقول بأن ذلك قد تم بإرادتهن هو أمر لا يمكن الاعتداد به، لأن الطفل لا يملك نظاما دفاعيا يمكّنه من التمييز أو الرفض أو إقناع الكبار بعدم فرض ما يرونه هم صحيحا بالنسبة لهم.
والواقع أن المشكلة المتجذرة في مجتمعاتنا لا تتعلق فقط بالحجاب وإنما في النظر إلى المرأة على أنها جزء من ممتلكات الرجل، أو العائلة أو القبيلة أو المجتمع وبالتالي يتصور أن من حقه أن يفرض عليها الطريقة التي يتعين عليها أن تسلكها ونوع اللباس الذي ترتديه والتوقعات التي ينتظرها منها.. الخ.
ولذلك تكثر التعليمات والقيود والفتاوى والأحكام الدينية المتعلقة بالمرأة، وبما لا نجد ما يماثله بالنسبة للرجل.
ولهذا لم يكن مستغربا أن يتحفنا مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية مؤخرا بفتوى غريبة تحدد 5 محظورات قال إنه يجب تجنبها خلال الاحتفالات بعيد الأضحى الأخير.
وأوضح المركز، في بيان (7/7/2022)، على فيسبوك، هذه المحظورات كالتالي: “تناول المحرمات ليلة العيد من المحظورات، خروج الشباب والفتيات إلى المتنزهات غير ملتزمين ضوابط وأوامر الإسلام، خروج المرأة متزينة غير ملتزمة بالحجاب، مواصلة قطيعة أحد الأقارب أو الأصدقاء، وتُكرَه زيارة القبور في يوم العيد؛ لأنه يوم بهجة وسرور”.
والسؤال هو لماذا يتدخل الأزهر في حريات الناس الشخصية على هذا النحو وهل الذين يتوجه إليهم بفتاواه هم مواطنون أم رعية؟
إذا كانوا مواطنين فهم مسؤولون أمام الدولة وحدها التي تضع القوانين والتعليمات في مثل هذه المناسبات إذا وجدت حاجة لذلك، أما إذا كنا نتحدث عن رعية ودولة دينية وخليفة وما شابه، فالأمر يختلف حينها.
المؤسف أن مجتمعاتنا والمعتقدات السائدة فيها لا تكتفي فقط بالتصرف تجاه النساء على النحو الذي يجعلهن غير قادرات على التعامل كمواطنات متساويات في الحقوق والواجبات، لكنه يربط شرف وسمعة ومصير الرجال بما تفعله أو لا تفعله المرأة، الأمر الذي يجعلها دائما تحت المراقبة والتقييم والمساءلة.. وأبرز علامة على ذلك هي فرض اللباس عليها كدليل على انضوائها وخضوعها لهذا النظام الذكوري.. بالضبط كما كان الحال قبل أكثر من ألف عام، حيث كان اللباس هو الذي يميز بين الحرّة والأَمَة!