بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 22 يوليو 2022/
يمكن القول من دون الوقوع في مغبة المبالغة بأن زيارة الرئيس بايدن لإسرائيل والأراضي الفلسطينية والسعودية قد حركت بعض المياه الراكدة وقدمت تأكيدات ضرورية في منطقة كانت ولا تزال تعاني من عدم اليقين.
لذلك لست أشك في أن معظم من التقوا بالرئيس الأميركي قد خرجوا بشيء من الارتياح سواء تعلق الأمر بالعلاقات الثنائية أو بالوضع العام في الإقليم.
كان ثمة تصور بأن إدارة بايدن ليس لديها نفس الحماس الذي تمتعت به إدارة ترامب في تشجيعها لإقامة علاقات طبيعية بين الاسرائيليين والعرب، وقد غذى بعض الضجيج والمواقف الصادرة من جانب من يطلقون على أنفسهم بالجناح التقدمي أو اليساري في الحزب الديمقراطي الوهم بأن هذه الإدارة سوف تدير ظهرها لما تحقق حتى الآن، وسوف تستمع إلى الأصوات المشككة وتعيد العربة إلى السكة الخاطئة!
لكن توقيع الرئيس بايدن على إعلان القدس قد بدد جميع تلك الأوهام، حيث تضمّن التأكيد على دعم واشنطن المستمر والواسع لتعميق العلاقات الإسرائيلية العربية وتوسيعها، واعتبارها اتفاقيات مهمة لمستقبل منطقة الشرق الأوسط ولقضية الأمن الإقليمي والازدهار والسلام.
أكثر من ذلك فان قرار الرئيس بايدن بالسفر جوا مباشرة من تل أبيب الى مدينة جدة السعودية والذي تزامن أيضا مع إعلان الرياض سماحها لجميع الرحلات المدنية التي تستوفي الشروط والمعايير بعبور أجواءها، قد أعطى دفعة رمزية هامة للتوجهات الجديدة في المنطقة والقائمة على التعاون والتنسيق بين الدول ذات المصالح المشتركة والاستفادة المادية والسياسية من جميع الإمكانيات المتاحة في هذا الجانب.
هذه التطورات أصابت في الواقع محور “الممانعة” بصدمة عجز من خلالها عن الكلام وأسقط في يديه. فلم يعرف كيف يرد أو يهاجم أو يتصرف حيث اتسع الخرق على الراقع.
والواقع أن كل مبادرة أو عمل يصب في صالح الاستقرار والسلام في المنطقة وكل مشروع يدعم التعاون الاقتصادي والازدهار فيها يعتبر تحديا لمحور الممانعة الذي تسيطر أحزابه وميليشياته على مناطق ودول فاشلة ومنكوبة سواء في لبنان، أو غزة، أو اليمن، أو العراق، أو إيران وغيرها.
أما التأكيد الآخر الضروري الذي قدمه الرئيس بايدن للحلفاء والشركاء الذين التقاهم فقد كان بشأن التزام الولايات المتحدة بأمن المنطقة.
هنا أيضا كان ثمة تصور أن الإدارة الأميركية التي أجرت تعديلات على استراتيجيتها في الشرق الأوسط بصدد إخلاء مواقعها كي تملئها روسيا والصين وغيرها. لكن بايدن أعاد التأكيد بأن الولايات المتحدة لن تذهب إلى أي مكان، وأن إعادة تموضع القوات الأميركية والسعي لإنشاء هيكل إقليمي قوي لا يعني أن الالتزام الأميركي بحماية السلم والأمن في المنطقة قد تغير.
وقد نص إعلان القدس بوضوح على أن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران يوما بامتلاك سلاح نووي وهي مستعدة لاستخدام كافة عناصر قوتها الوطنية لضمان هذه النتيجة. كما أكدت واشنطن أيضا على التزامها بالعمل مع الشركاء الآخرين لمواجهة عدوان إيران وأنشطتها المزعزعة للاستقرار، سواء كانت مدفوعة بشكل مباشر أو من خلال وكلاء ومنظمات إرهابية مثل حزب الله وحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.
بعبارة أخرى فقد أعادت زيارة بايدن بعض الطمأنينة وشيئا من البوصلة لحكومات المنطقة التي تدرك جيدا، رغم كل الادعاءات، أنه من دون الولايات المتحدة ومن دون العلاقات الجيدة مع الغرب فإنه يستحيل الحفاظ على استقرار اقتصادي وأمني ومستوى حياة لائق بالبشر في هذه المنطقة من العالم.
أما التعويل على الصينيين أو الروس أو غيرهم كبديل عن الولايات المتحدة فهو من باب التهويش ليس إلا، والتلويح به هنا وهناك هو من أجل الاستهلاك المحلي أولا، وثانيا للضغط على الإدارة الأميركية كي لا تتخلى عن المنطقة. لكن الحقيقة هي أنه لا أحد يريد أن يربط مصيره بالصين أو روسيا.
ومن باب أولى أنه لا يوجد شخص عاقل يريد أن يترك مصيره كي يقرره محور الممانعة أو جماعات الإسلام السياسي التي تفتك بالمجتمعات وتقتل إنسانها وتدمر استقرارها واقتصادها وتشيد أنظمة القهر والاستبداد والتسلط الديني والسياسي، تحت يافطات وعناوين مراوغة ومضللة.
إن محور الممانعة وجماعات الإسلامي السياسي هي الجانب المظلم من الشرق الأوسط والقادمة إلينا من الماضي وهي تسعى بكل ما أوتيت من قوة للقضاء على أي أمل في الحاضر أو المستقبل. وهذا هو التحدي الحقيقي أمام مجتمعات المنطقة.